يكثر الحديث منذ فترة عن "جهاد النكاح" في
سوريا. ويتقصّد المحدّثون بالأمر، وجلّهم من الممانعين مشرقاً ومغرباً، النيل من
الثورة السورية على اعتبار أن "نكاحاً" يجري بين المنضوين في صفوفها تطوّعاً
أو استقداماً لخدمات "جهادية" مدفوعة الأجر!
وتستثير المسألة نفسها بعض الإعلاميين والكتّاب
الغربيين، إذ يجدون موضوعاً "إكزوتيكياً" يمكنه جذب قرّاء أو مشاهدين إليهم،
فيكمّل تخيّل "المجاهدات المحجّبات" في أوضاع معيّنة صورتَي الرجل آكل
القلوب وصديقه السيّاف ليجسّدان لوحات "إستشراقية" (لوحات دو لا كروا –
البديعة بالمناسبة – نموذجاً) أو تهيُّؤات نمطية لشرق مليء بالوحشية والبدائية والإيروتيكية...
على أن العودة الى الممانعين العرب في هجسهم بجهاد
النكاح تُحيلنا الى فئات ثلاث:
- فئة تعدّ نفسها من دعاة التحرّر الجنسي، فإذا بها
تستهول الأمر وتراه دليلاً على "انعدام الشرف"؛
- فئة ثانية لا ترى عادة في الدعارة أمراً صادماً،
وتدّعي تعاطفاً مع ضحايا الاستعباد الجنسي، لكنها تُذهل هنا وتكتب الأطروحات حول "هؤلاء
المنحطّين والمنحطّات" وما يقومون به من تدمير لسوريا ومن تعميم للرذيلة في
أرجائها؛
- وفئة ثالثة تمارس زواج المتعة ولا ترى فيه علامات "انحلال"
أو تشريعاً دينياً للجنس المؤقّت، لكنها تنفر من جهاد النكاح وتبحث عمّا يثبت
وقوعه في تصريحات بعض الموتورين أو المغفّلين لتصرخ "وا أخلاقاه".
وقد تحوّل بعض المنضوين ضمن الفئات الثلاث المذكورة الى
ما يشبه الناشطين في المراصد أو المراكز التوثيقية: يبحثون عن إعلان هنا أو شهادة
هناك ليجعلوا الأمر خبراً أول في وسائل إعلامهم يحجب يومياً صور عشرات القتلى
ومئات الجرحى من ضحايا نظام الممانعة الأكبر، شقيقهم الأسدي، الذي يردّ لهم التحية
بمثلها، فيرشدهم عبر قناة الدنيا والفضائية السورية الى قاعات ومراحيض جهاد النكاح
كما عثر عليها "الجيش العربي السوري" قبل أيام في بناية نجح في التقدّم
إليها في حي برزة بعد عام من الحصار والقصف البري والجوي عليه!
الأنكى من كل ذلك، أن هذه الضجة وهذا الهياج الممانع انطلاقاً
من قضية "جهاد النكاح" يستند الى بضع شائعات، وأن الظاهرة نفسها قد تكون
مُفبركة سياسياً أو مرتبطة بحالات معدودة، وهي حتى ولو لم تكن كذلك، فلا شيء فيها
مثير الى هذا الحدّ أو مدعاة للاهتمام الخارق خارج سياقات أبحاث أنثروبولجية وسلوكية
يمكن الركون إليها في يوم يكون اللقاء بالمجاهدات والمجاهدين المعنيّين (إن
وُجدوا) متاحاً، أو في يوم تكون صواريخ السكود وطائرات الميغ وسكاكين الشبيحة قد توقّفت
(أو أوقفت) عن اغتيال السوريين والسوريات في طول البلاد وعرضها...
في أي حال، لا يشير هذا الهوس "الممانع" بجهاد
النكاح (ومثله بشتم "أبناء المتعة" عند بعضِ من هم في المقلب الآخر) سوى
الى إفلاس كثرة من السياسيين والصحافيين وأتباعهم، وتموضع عقولهم في أماكن غير
رؤوسهم...
زياد ماجد