Friday, August 30, 2013

سيناريوات

لم يثبت بعد ما إذا كانت الولايات المتّحدة ومعها عدد من الدول الأطلسية (والعربية) في طريقها لتنفيذ ضربة عسكرية في سوريا، للردّ على استخدام النظام السوري الواسع النطاق للأسلحة الكيماوية في قصفه (من مواقع يُقال إنها تتبع اللواء 155) مدن وبلدات غوطتي دمشق الشرقية والغربية. ولم يتّضح إن ثبت احتمال الردّ حجم العمليات العسكرية وبنك الأهداف الخاص بها. 
على أن ما يجري تداوله حتى الآن يشير الى أربعة سيناريوات.

السيناريو الأول، قصف محدود لعدد من المراكز العسكرية ومخازن الأسلحة التابعة لبعض القطاعات في جيش النظام الأسدي المتمركزة في محيط العاصمة دمشق.

السيناريو الثاني، قصف واسع النطاق يطال المطارات وقواعد الصواريخ ومستودعات الذخيرة العائدة لجيش النظام على نحو يعطّل قدرته على مواصلة القصف الجوي والصاروخي المتوسّط والبعيد المدى.

السيناريو الثالث، التمنّع عن القصف والإبقاء على حالة الاستنفار والتهديد لمنع النظام من الاستمرار في مجازره الكيماوية، في مقابل تسريع التحضير لجنيف 2 وفق شروط تختلف عن تلك التي بحثت فيها واشنطن وموسكو في السابق، وتقوم هذه المرة على تأكيد أن لا مكان لعائلة الأسد في أي صيغة إنتقالية (لا قبل انتهاء ما يسمّى "ولاية الأسد" عام 2014 ولا بعدها).

السيناريو الرابع، التمنّع عن القصف وتأجيل البحث في جنيف 2 ورفع مستوى دعم المعارضة السورية المسلّحة بما يجعلها تحسم أكثر من معركة في جنوب البلاد وشمالها وشرقها ويمكّنها من التقدّم الجدّي نحو العاصمة دمشق، وبما يجعل بعض ألويتها وتشكيلاتها قوّة لا يُستهان بها إن في مواجهة النظام أو في مواجهة الجماعات المحسوبة على تنظيم القاعدة.


وفق هكذا تصوّرات، يتّضح أن انعطافة حصلت في الموقف الأميركي جعلته أقرب الى مواقف باريس ولندن، ويتّضح كذلك أن البحث في الخيارات يتمّ بمعزل عن صراخ موسكو وطهران. وهذا يشير الى أن واحداً من أسباب التعنّت الروسي كان مردّه تردّد واشنطن وعدم اتفاقها مع أوروبا.
أما أسباب الانعطافة الأميركية (التي لم تصل بعد حدود تبنّي استراتيجية لسوريا – وهذا مأخذ المعارضين الأميركيين للتدخل العسكري) فتبدو كثيرة، من التخوّف من انتشار الاستخفاف بهيبة واشنطن في المنطقة وتحدّي الخطوط الحمراء للرئيس، وصولاً الى عقم نظرية ضرب إيران وحزب الله بالقاعدة واستنزاف الطرفين فوق الأرض السورية، وانتهاءً بالخشية من فوضى عارمة لن يكون بمقدور الإدارة الأميركية هندسة أشكال الخروج منها والتحكّم بما ستفضي إليه.

في أي حال، وبالعودة الى السيناريوات، لا يبدو السيناريوان الأوّل والثالث "أفضل" ما يمكن أن يحصل للسوريّين والسوريات اليوم. فضربة محدودة للنظام قد لا تكون ذات نتائج عسكرية وسياسية مؤثّرة. وقد تؤدّي الى الإطاحة باحتمالات الردّ "الدولي" الجدّي اللاحقة. كما أن الاكتفاء بالتهديد لن يجدي ولو أن الأسد انصاع لطلب المفتّشين وجمّد لبعض الوقت قصف قواته للغوطتين بمجرّد وصول القطع الحربية الأميركية. فعدم القيام بشيء يعني السماح للأسد بجس نبض كل فترة لمعرفة حدود البطش الذي يمكن أن يمارسه...

المشكلة أن الاختيار ومفاضلاته غير متاحة أمام السوريين اليوم، وأن التدخّل الخارجي المباشر الذي استهلّته روسيا وإيران قد تواجهه غداً الولايات المتحدة وحلفاؤها من دون أن تُفضي المواجهة بالضرورة الى نهاية المأساة.


وحده إسقاط (رأس) النظام المسؤول عن المأساة المستمرة يمكن أن يسمح بفتح صفحة جديدة (ولو شاقة جداً) في سوريا...
زياد ماجد
مقالة منشورة في موقع "ناو" يوم الثلاثاء في في 27 آب 2013