لا يمكن القبول بأي تبرير للتفجير الإجرامي الذي وقع قبل
أيام في الضاحية الجنوبية، ولا يمكن القبول كذلك باستنكار تُعطف عليه عبارة
"ولكن" الشهيرة. فالجريمة جريمة، وكل تحليل سياسي أو بحث في المسؤوليات
يجوز فقط بعد الاتفاق على كون العملية إرهاباً موصوفاً لا شيء يُبيحه وكون المنفّذ
مجرماً لا ذريعة تقدّم له أي عذر تخفيفي.
بهذا المعنى، ينبغي الفصل الكامل بين إدانة الإجرام وبين
البحث في الظروف والملابسات السياسية التي وقع في سياقها، وينبغي أيضاً اعتبار القتل
فعلاً لا يحتاج "اكتماله" الى شروحات أو مقاربات يمكنها ابتلاع نذالته
أو تلوينها أو جعلها نسبية...
أما بعد، فإن نقاشاً في السياسة يبقى مطلوباً وملزماً خاصة
إن افترضنا أن الوجهة الاتهامية التي اعتمدها حزب الله في ما خصّ الانفجار صحيحة،
وأن المتّهمين (بمعزل عن مسمّى "تكفيريّين" الذي يُكثر الحزب من إطلاقه
عليهم كما على سواهم من قوى يخاصمها، وبأسلوب لا يخلو هو نفسه من
"التكفير"!) صار لهم حضور في لبنان أو ينوون نقل بعض إجرامهم إليه. وثمة
قضايا أربع يمكنها هنا أن تستهلّ هكذا نقاش.
القضية الأولى مرتبطة بالتوقيت. فهل هي مصادفة أن
الانفجار الإجرامي الأخير والأحداث الأمنية والتفجيرات التي سبقته في بعض المناطق
اللبنانية لم تقع إلا منذ انخراط حزب الله الدموي والعسكري في حرب النظام الأسدي
على أكثرية الشعب السوري؟ ولماذا لم تنفّذ القوى الإرهابية أو تحاول تنفيذ عمليّاتها في
السنوات العشر الماضية، أي منذ تكثيف نشاطاتها في العراق مثلاً، أو حتى منذ تفاقم
التوتّرات والاحتقانات المذهبية في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري ودفاع حزب الله
عن المتّهمين من قسم كبير من اللبنانيين كما من لجنة التحقيق الدولية بقتله؟
القضية الثانية مرتبطة بما يسمّيه حزب الله "حرباً استباقية"،
وهي التسمية إياها التي غالباً ما تُطلقها إسرائيل على اعتداءاتها، والتي برّر بموجبها
الحزب قتاله في القصير. والسؤال المطروح هنا، ووفق منطق حزب الله نفسه، هو عن جدوى
هكذا حرب بعد أن ثبت ليس فشلها فحسب، بل ظهور الاعتداءات والجرائم فقط بعد انطلاقها.
فهل إعادة النظر فيها ضرورية اليوم أم لا؟ وهل كانت "استباقية" فعلاً أم
عدوانية و"استدراجية" للشر الى لبنان؟
القضية الثالثة هي عن مؤدّيات الخطاب المذهبي الذي شحن
النفوس طيلة السنوات الماضية، والذي انغمس فيه حزب الله أيّما انغماس. ويكفي
التدقيق في المصطلحات والاستعارات التاريخية للوقوف على حجم التعبئة المذهبية الحزب
– إلهية في السنتين الأخيرتين، التي لا يمكن لأصحابها ادّعاء اختلافهم فيها عمّن يزعمون
التصدّي لهم ويصفونهم ب"التكفيريّين". فالحكي عن سبي السيدة زينب (التي
لم يُمسّ مقامها قرب دمشق طيلة قرون) كما الإحالات الكربلائية المتكرّرة لا تُبقي
للسياسة دوراً وسط صراع الرموز والعودة الى القرن السابع، وتوقظ شياطين الحقد وتحفّزها
وتستدعيها. فكيف إن كانت الأخيرة مستيقظة أصلاً ولا مانع لديها من ارتكاب كل
الموبقات؟
القضية الرابعة مرتبطة بعجز "فائض القوة" الذي
يتمتّع به الحزب عن حماية المناطق التي يسيطر عليها. وهذا دليل على استحالة الأمن
الخاص في لبنان، وعلى تداعي القوة العسكرية مهما تعاظمت أمام أشباح الفتنة التي
ساهم في خلقها وتعزيزها، إن استفزازاً للآخر المذهبي (من 8 آذار 2005 الى 7 أيار
2008 وصولاً الى 11 كانون الثاني 2011) أو استجلاباً للكراهية عبر الدعم المباشر
للنظام في دمشق منذ العام 2012، أو ربطاً للبنان عنوة بالاستراتيجية الإيرانية في
المنطقة التي ترفضها أكثرية اللبنانيين.
في الخلاصة، يبدو الوضع في لبنان مقبلاً على المزيد من
الاحتقانات والمصائب طالما أن المكابرة والأوهام مستمرة، وطالما أن الغرور والولاء
لسياسات إقليمية تمليها هذه العاصمة أو تلك يمنعان المعنيين من النظر الى الأهوال
المقبلة عليهم وعلى البلاد من قوى لا تنقصها الظلامية والإجرام أصلاً، فكيف وهي
تُستدعى وتجد الشروط الموضوعية والذاتية لتنفّذ جرائمها؟
زياد ماجد
22 آب/أغسطس 2013
22 آب/أغسطس 2013