Tuesday, July 23, 2013

إيلان هاليفي

تصلح السيرة الاستثنائية لإيلان هاليفي، الذي توفّي الأسبوع الماضي في باريس، لعمل روائي. فهاليفي، الكاتب الفلسطيني الفرنسي ونائب وزير الخارجية الأسبق في السلطة الوطنية وممثّل حركة فتح في "الاشتراكية الدولية"، شخصية مدهشة في تعدّدها وفي تعرّجات المسارات التي خاضتها.

وُلد إيلان في العام 1943 داخل مكتب للبريد في مدينة ليون الفرنسية كانت المقاومة الشيوعية للاحتلال النازي تتّخذه مقرّاً سرّياً. والداه المقاومان كانا طالبين في فرنسا حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، وأصولهما يهودية تركية ويمنية. بعد التحرير، انتقلت عائلته الى باريس حيث نشأ، وتعلّق منذ سنوات مراهقته بموسيقى الجاز، وعزف لأعوام في فرقة موسيقية طلّابية، قبل أن يقرّر الذهاب الى هارلم في الولايات المتحدة والعيش لسنوات هناك على مقربة من الموسيقيين السود.
في العام 1963 كتب رواية مستوحاة من الحياة الأميركية والشخصيات التي التقاها، ثم عاد الى باريس حيث تعرّف الى ناشطين سياسيين وموسيقيّين أفارقة، وذهب برفقة بعضهم الى مالي واستقرّ هناك لفترة عاملاً في إذاعة باماكو ومسافراً بين الدول الأفريقية المنتزعة حديثاً استقلالها. وفي أواخر العام 1964، عرّفته زيارته الى الجزائر بأساتذة لغة عربية مصريين وسوريّين حدّثوه عن القضية الفلسطينية، التي لم  يكن قد اهتمّ بها بعد. وقاده الأمر بعد عامين الى اتّخاذ قرار بالانتقال الى القدس لاكتشاف إسرائيل من الداخل. صدم قراره هذا والدته التي كانت رافضةً حتى للاعتراف بإسرائيل، فقاطعته الى أن عرفت بانتسابه الى مجموعة من أقصى اليسار واعتقاله لفترة بسبب أنشطته المناهضة للصهيونية.

في إسرائيل، عمل إيلان مراسلاً لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، وتعرّف في مطلع السبعينات الى يساريين فلسطينيّين، قبل أن ينتقل عام 1977 بتدبير منهم الى بيروت حيث التقى قياديّين في حركة فتح ومنظمة التحرير وقرّر الانضمام إليهم. هكذا، بدأت مسيرة إيلان هاليفي الفلسطينية، وصار عام 1983 ممثلاً للمنظمة في لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة، وتوزّعت حياته بين باريس وتونس حيث كانت القيادة الفلسطينية قد استقرّت عقب خروجها من لبنان. انضمّ إيلان بعد ذلك الى المكتب التنفيذي لحركة فتح، وصار ممثّل الحركة في "الاشتراكية الدولية"، وشارك في مفاوضات مدريد عام 1991 ضمن الوفد الفلسطيني، وكان من بين الذين توسّطت فرنسا لعودتهم الى رام الله عام 1996 بعد معارضة الاسرائيليين الأمر ورفضهم حصوله على "جواز سفر" فلسطيني رغم تعيينه ديبلوماسياً ثم نائباً لوزير الخارجية في السلطة الوطنية. ويقول إيلان إن مشهد الاسرائيليين حين كانوا يصادفونه في الاجتماعات الدولية أو ضمن المفاوضات أو في أروقة الاشتراكية الدولية كان مسلياً نظراً لما فيه من توتّر شديد ولما يرشح عنهم من كراهية وتخوين له بوصفه "يهودياً" يجلس في مقاعد "العدو".
بقي إيلان في رام الله سنوات، وعاش الى جانب الرئيس ياسر عرفات حصار المقاطعة عامي 2002 و2003، ثم غادر فلسطين الى فرنسا ومن بعدها ألمانيا ففرنسا من جديد حيث توفّي.


كتب هاليفي باللغة الفرنسية عدداً من الكتب المرتبطة بالقضية الفلسطينية، كما بسيرته الذاتية. ويقدّم كتابَا "تحت إسرائيل، فلسطين" و"في مواجهة الحرب: رسالة من رام الله" محاججات قد تكون من الأبلغ في الردّ على الذرائع الاسرائيلية وفي تفكيك المقولات الصهيونية كما في تنبيه الفلسطينيين والعرب الى الأخطاء المفاهيمية والسياسية واللغوية التي يرتكبونها في معرض "تشهيرهم" بالسياستين الإسرائيلية والأميركية. وكتب مؤخّراً سيرته "رحلات ذهاباً وإياباً" وفيها الكثير من الطرائف الشخصية والاجتماعية والسياسية التي عاشها.

رحل هاليفي عن تسعة وستين عاماً ملأها بالمغامرات والكتابات والسفر والنشاط السياسي والموسيقى والحبّ. كان يهودياً 100% وفلسطينياً 100% كما أحبّ على الدوام أن يردّد، يهودياً بالمعنى الذي عرّفه مكسيم رودنسون: "يهودي بعناوين مختلفة"، وفلسطينياً في اختياره السياسي والأخلاقي وفي كفاحه على مدى 46 عاماً.
لإيلان الرحمة ولكيرستن وسليم وعائلته الواسعة جداً وأصدقائه التعازي والمحبة.
زياد ماجد