Tuesday, April 3, 2012

حكومة العراق.. وسوريا

 تملك القوى العراقية المشاركة في الحكم في بغداد منذ بدء المسار الانتخابي عام 2005 مشروعية شعبية واسعة، بمعزل عن الرأي في أدائها أو في تقييم ثقافتها وتحالفاتها.
وللمشروعية هذه أسباب طائفية ومناطقية عديدة، تبدأ بالثقلَين الديموغرافيين الشيعي العربي والكردي المتمثّلة معظم قواهما في السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكنها تشمل أيضاً حضور بعض القوى السنية العربية، إضافة الى العديد من التشكيلات المدنية التي قرّرت الانضمام الى مسار الدولة الجديد.

على أن الانتخابات التي حملت هذه القوى جميعها الى السُلطة والتي ترجمت مشروعيّاتها الشعبية سياسياً داخل "المؤسسات الدستورية"، ما كانت لتتمّ لولا الاجتياح العسكري الأميركي- البريطاني للعراق وإسقاط نظام صدّام حسين. أكثر من ذلك، ما كان أداء بعض القوى الانتخابي والسياسي ليكون على مستوى فعّال من التنظيم والتعبئة لولا الدعم المادي واللوجستي الإيراني من جهة، ولولا التعاون مع "الغرب" وتوقيع الاتفاقات الاقتصادية والأمنية مع الأميركيين خلال احتلالهم من جهة ثانية. هذا من دون أن نُغفل ارتباط مجموعات حزبية عدّة مُمثّلة في الحكم راهناً، تقاتلت في ما بينها عشية انخراطها في مؤسسات الدولة وخلال هذا الانخراط، بمعظم دول الجوار التي مدّتها بالسلاح والذخائر أو سهّلت مرور مقاتلين عبر الحدود لدعمها... 

 مع ذلك، لا تجد القوى العراقية المذكورة حرجاً في استنكار التدخّل "الخارجي" في الشؤون السورية ورفضه، وفي إعطاء المحاضرات حول مخاطره وأضراره على السيادة الوطنية السورية وعلى النسيج الوطني! الأنكى أن الأكثر تشدّداً في هذا الرفض والأكثر حدّة في الاستنكار اليوم (وفي الدفاع عن "بعث سوريا") هم الأكثر استفادة من التدخّل الخارجي ومن انهيار "بعث العراق" بالأمس! حتى أنهم كانوا منفيّين خارج بلادهم، مهجّرين بين أطراف المعمورة، ولم يعودوا إلاّ بعد انتشار القوات الأميركية والبريطانية على كامل التراب العراقي، ليحتفلوا "بسقوط الطاغية"، ويتلقّوا التهاني بهذا السقوط...


قد تفسّر المذهبية لدى البعض هذا الموقف، كما التحالف مع إيران. ويمكن ان تُضاف المصلحة لدى البعض الآخر، كما علاقات السنوات الماضية التي جمعته بمخابرات النظام السوري. لكن هذا التفسير لا يكفي. والمسألة أساساً ليست في الموقف من مبدأ التدخّل الخارجي أو من أشكاله المختلفة. فتلك يمكن مناقشتها والاتفاق أو الاختلاف حولها وحول شروطها وآلياتها، إن طُرحت. المسألة تبدو في الحال الحكومية العراقية (وطبعاً في حالات غيرها) أبعد من ذلك. هي، في استسهال النِفاق وفي تسفيه المنطق السياسي وقِيَمه في أعلى مستويات المسؤولية السياسية. وهي في احتكار الحقّ في اللجوء الى جميع السبل وتخوين "المختلِف" إن اشتُبِه بسعيه للبعض منها. وهي فوق ذلك، في التباهي بالوقاحة باعتبارها رداءً يستر عورة الكذب...  
زياد ماجد