Tuesday, June 14, 2011

بَطَلٌ إبنُ بَطَل

في تعليق معبّر وطريف له على بيان الحزب الشيوعي السوري (الصادر قبل أيام)، قال الصديق العزيز الكاتب ياسين الحاج صالح: "بطلٌ إبن بطل من يقرأ البيان لِلآخر".
والحقّ أن اشتراط البطولة أو توارثها الجيني لإنجاز فعل القراءة المذكور إذ يبدو سخرية أنيقة ومكثّفة من ياسين، يصبح توصيفاً دقيقاً إن حاول المرء اختبار قدراته وتجرّأ على الخوض في البيان حتى سطره (رمقِه) الأخير.

ولعلّ استعراض فقرة واحدة من هذا البيان الأشبه بالنشرة - إن بحجمه أو بحجم المؤامرات التي يُناطحها – يشي ببعض ما نذهب إليه. تقول الفقرة: " تدعو اللجنة المركزية (للحزب الشيوعي) أحرار العالم وكل القوى المعادية للإمبريالية للتضامن مع حركة التحرر الوطني العربية التي تواجه عدواً شرساً متجلياً بالإمبريالية وأعوانها المحليين. وتزداد عدوانية الإمبريالية طرداً مع زيادة أزماتها الداخلية. فهناك أزمة مالية شديدة تهدد الاقتصاد الأمريكي في الأمد القريب. كما أنه ما زالت الأزمات المتتالية تهز أرجاء أوروبا، فبعد الأزمات الشديدة التي اجتاحت اليونان وايرلندا والبرتغال مخلّفة وراءها دماراً في حال كادحيها، ها هي رياح الأزمة بدأت تلوح في أجواء إسبانيا. إن الوضع المتفاقم في العالم يؤكد مرة بعد مرة أهمية تعزيز الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية. هذا اليقين الذي ينطلق منه الشيوعيون السوريون في نشاطهم الأممي".

تتطرّق الفقرة إذن الى "الإمبريالية وأعوانها المحليين" و"حركة التحرر الوطني العربية" و"أزمة الاقتصاد الأميركي" و"أزمات شديدة في أربع دول أوروبية"، و"الجبهة العالمية المناهضة للإمبريالية"، و"النشاط الأممي للشيوعيين السوريين" و"يقينهم" الذي لا يخطئ والذي تتأكّد صوابيّته "مرة بعد مرة" في ظل "الوضع المتفاقم في العالم" وفي ظل "ازدياد شراسة الإمبريالية" نتيجة "أزماتها الداخلية"، كل ذلك في 7 أسطر، وكل ذلك في معرض التعليق المُفترض على الوضع الراهن في سوريا. وللقرّاء أن يتخيّلوا باقي القضايا والمهام وما يمكن أن تحمله عشرات الأسطر الأخرى في هذا البيان "التاريخي" (البيان كاملاً).

كاريكاتور علي فرزات

وإن أراد واحدنا التدقيق في بعض المصطلحات لفهم مدلولاتها ومحاولة البحث في مراجِعها معرفياً أو إحالتها الى أحداث وأزمات واقتصادات، تصبح مشروطية البطولة الياسينية (نسبة الى ياسين) جدّية تكاد تُقصي شبهة المزاح! فنحن أمام قراءة لحركة الكون ولأزماته وللأبعاد اليقينية فيها وأمام دعوة لتمتين جبهات المواجهة على مستوى المعمورة، بما لا يترك لدرعا أو لجسر الشغور أو لحماة وحمص وبانياس ودوما أو لحمزة الخطيب وال71 طفلاً مقتولاً من بين الضحايا ال1300 (وفق آخر تقدير) سوى حيّز ميكروسكوبي لا حاجة لمجرّد التوقّف عنده. فما يجري منذ أشهر لا يعدو - بحسب البيان - غير محاولات بائسة من الإمبريالية لتصدير أزماتها العميقة (على أيدي الأعوان في حوارن ودير الزور وإدلب مثلاً) تتصدّى لها "حركة تحرّر عربية" منخرطة يقينياً في نشاط أممي (بواسطة أجهزة المخابرات والفرقة الرابعة و"شبّيحة الأسد").
وأمام هكذا قراءة، تصبح الدهشة والقدرة على التعامل معها بذاتها جزءاً من البطولة لا تبدّدها معرفة أن الحزب الشيوعي المنخرط مع البعث في ما يُسمّى "جبهة وطنية تقدّمية" قاده خالد بكداش من العام 1933 وحتى العام 1995 (إثنان وستون عاماً)، ثم أورثه لزوجته وِصال فقادته 15 عاماً قبل أن تسلّم "الأمانة العائلية" عام 2010 (وطبعاً بإسم كادحي الأرض ومعذّبيها) الى ابنهما الرفيق عمّار.

يذكّر هذا البيان (الذي ينبغي للحزب الشيوعي اللبناني أن يشكر من كتبه لأنهم أظهروا بياناتِه في ما خصّ سوريا وثورة شعبها أقلّ فضائحية، ولو بالشكل) بحلقة على تلفزيون إبن خال الرئيس السوري مع كائن عجيب قيل إن اسمه طالب ابراهيم. جلس وسط ديكور مُرعب وثلاثة كائنات تشبهه في القدرة الاستثنائية على التنصّل من علامات الأنسنة ومعالمها، ودعا الى قتل جميع المحتجّين في سوريا وسحقهم – هكذا وبالحرف – بوصفهم أسوأ من إسرائيل "وقتالهم أَولى من قتالها" لأنهم بحسبه "حجر عثرة" بينه (أي الكائن إبراهيم) وبين القضاء على الإمبريالية وإسرائيل وملاقاة المسجد الأقصى (الرابط الى "المقابلة")...

فعلاً يا عزيزي ياسين، سماع هؤلاء وقراءتهم والابتلاء بهم "قادةً" و"كتّاباً" و"مثقّفين" يحتاج الى حصانة صحّية تقي من كثير الأمراض والأعراض. والحصانة هذه تحتاج الى بطولة، أيّما بطولة...
زياد ماجد