لا أعرف الكثير عن الأوضاع المالية والإدارية للصحف ووسائل الإعلام. ولا أستبعد أن يكون بعضها مأزوماً فعلاً نتيجة عوامل عديدة خارجة عن إرادته او مرتبطة بها...
لكن ما أعرفه، هو أن للعاملين في الميدان الصحافي والإعلامي كرامات، وأن كراماتهم هي من كرامة القطاع الصحافي والإعلامي ككل، وأن انتهاكها هو انتهاك لجسم ظلّ – على علاّته وأوهانه – يخلق مساحات حرية واستقلالية سمحت لهذا البلد الصغير أن يطوّر تجربة لم تعرفها منطقته، وأن يفعّل طاقات إبداعية غيّب الاستبداد المحيط مثيلاتها عن البلدان التي قهر.
فأن يُفصل صحافيون من أعمالهم ومراكزهم لأسباب لا ترتبط بأخطاء جسيمة ارتكبوها، أو بممارسات مسيئة للمهنة اعتمدوها، فالأمر مدعاة حزن وسخط.
حزن على مصير بعض من اعتبروا القلم (أو الكاميرا أو المذياع) جسر عبور لهم نحو الناس وقضاياهم، ونحو المعرفة وفضاءاتها، أو نحو الأحداث وما تمليه من قراءات وتحليلات ومحاولات فهم وإفهام.
وسخط على غياب القوانين والنقابات الحامية لهؤلاء والمؤمّنة لهم سنداً يقيهم شرور فقدان العمل ومتعته ودخله...
فكيف والحال صرف بأساليب مهينة أو بأعذار غير واضحة تترك للتأويلات احتمالات الترعرع والتكاثر؟ وكيف وبعض المستهدفين من أبرز المثقّفين والكتّاب والصحفيين في لبنان؟
كان يمكن لإدارات المؤسسات المعنية (إن كانت مأزومة فعلاً) أن تعقد اجتماعات عامة أو خاصة مع العاملين فيها، أن تُطلعهم على أوضاعها، أن تقول لهم إنها لم تعد قادرة على الاستمرار معهم على النحو نفسه الذي ساد سابقاً، أن تخيّرهم بين تخفيض المعاش أو الاستقالة والتعويض اللائق، أن تشرح أسباب التأزم وانعكاساته... أن تتصرّف كما الصحف ووسائل الإعلام الحديثة (الغربيّة تحديداً التي تسعى الى التشبّه بها)، حيث تُعرض على المعنيين ترتيبات تتيح لهم الانصراف الطوعي، على نحو يحقّق للمؤسسة الهدف المادي أو الإداري المرجوّ من الاستغناء عن خدماتهم ويحافظ في الوقت عينه على كراماتهم، متيحاً لهم البحث الهادئ عن بدائل والتطوّر اللاحق من خلالها.
لكن الطرد وبثّ الإشاعات ومحاولات التشهير وكيل الشتائم يولّد المرارة والتنابذ، مزكياً القول في وجود أسباب غير تلك المعلنة. وهو يُفقر المؤسسات ليس ممّن خسرت فحسب، بل أيضاً من الكثير من القيم التي من دونها لا تستقيم حرية ولا يقوم احتراف...
إن ما يجري في بعض الإعلام اللبناني اليوم مقلق ومؤسف. والسكوت عنه، لا سيما من قبل الحريصين عليه، مشاركة في إثم القبول بتجريد الإعلام (والصحافة منه بخاصة)، من معايير مهنية ومن حريات وتعدّدية واستقلالية هو أحوج ما يكون الى الدفاع عنها، وتحصينها...
زياد ماجد