Saturday, April 27, 2019

لاجئون وعنصرية وابتزاز


تتصاعد مع كل أزمة اقتصادية أو توتّر سياسي أو تدهور خدماتي في لبنان خطاباتُ كراهية ضد اللاجئين السوريّين، تشبه تلك التي سادت على مدى عقود، وما زالت، ضد الفلسطينيّين. ويتناوب على إطلاق الخطابات هذه مسؤولون سياسيون وإعلاميّون ورجال دين من أطياف وخلفيات حزبية مختلفة، ولو أن أكثرهم من بيئة التيار المرتبط برئيس الجمهورية ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل. ويبدو أن المرحلة المقبلة قد تشهد المزيد من خطابات هؤلاء وحملاتهم.
 
في استسهال التحريض ضد اللاجئين

بعد سنوات من استخدام فزّاعة توطين الفلسطينيّين في لبنان وفبركة أرقام مضخّمة ومعطيات كاذبة حولهم وادّعاء ربط دولي لمصير ديون البلد الخارجية بشكل تعامله معهم وقبوله ببقائهم نهائياً فوق أراضيه، يكثر اليوم استخدام فزّاعة اللجوء السوري والقول بمؤامرات تستهدف التركيبة اللبنانية وديمغرافيتها ومستقبل الكيان ذاته.
وكما أننا لم نقع مرّة في السابق على شرح لخصائص التوطين المُخوَّف به وشروطه المزعومة، لا يوجد اليوم ما يفسّر حديث المؤامرات واستهداف التوازنات "الوطنية" أو يوضح تفاصيله.
فإن كان التوطين يعني منح الجنسية لحوالي 300 ألف فلسطيني يقيمون في لبنان منذ نكبتهم (بعد سنوات معدودة من استقلاله)، فلا أحد يمكنه فرض ذلك لأسباب عديدة مرتبطة بآلية اتخاذ القرارات في المؤسسات اللبنانية وضرورة التوافق شبه العام فيها، وهو ما لا يمكن أن يحصل في موضوع مشابه. أما إن كان المقصود منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية وإنهاء الأوضاع المزرية التي تعاني منها مخيّماتهم ورفع الحصار الأمني والخدماتي عنها (وإيجاد حلول للسلاح داخلها وفي محيط بعضها)، فهذا أقل ما ينبغي فعله (وما كان يجدر القيام به منذ زمن بعيد). الأمر نفسه ينطبق على ما يثار تحريضاً حول السوريّين. فإن كان عيشهم في لبنان بعد طردهم من ديارهم تآمراً عليه، وجبت مساءلة المسؤولين عن التهجير، وبينهم لبنانيون، مشاركون فاعلون في الحُكم في بيروت، ذهبوا بالآلاف الى سوريا للقتال دفاعاً عن النِظام المهجِّر. والأخير، حليف المُحذّرين من المؤامرات وقُبلتهم، لا يبدو متحمّساً أصلاً لعودة اللاجئين (وبالتالي "إنهاء المؤامرة")، وهو الذي صرّح تكراراً أن نسيج سوريا الاجتماعي صار أفضل بعد خروجهم وأن مجتمعها بات أكثر انسجاماً.


المنبت العنصري والابتزاز

ليست الادّعاءات حول التوطين أو التآمر أو إنهاء الكيان إذاً في أي شكل صادقة، ولا هي مخاوف جدّية تدفع البعض لتصريحات أو تحذيرات ساذجة. كما أنها لا تنبع عن مجرّد جهل مطلقيها ورثاثة فهمهم للأحوال القائمة حولهم ومساراتها، ولو أن الجهل والرثاثة من أبرز سماتهم.

هي في حالتيها الفلسطينية والسورية تعبير سافر عن عنصرية وفائض كراهية يستهدفان دورياً الأجانب الفقراء في لبنان، عاملات وعمالاً أفارقة وآسيويين، ولاجئين. على أنها تحوّلت منذ فترة الى سياسة مكتفية بذاتها، لا يملك القائمون عليها غيرها ليثيروا الغرائز والمخاوف ويُقيموا التعبئة في صفوف أنصارهم. وهم فوق ذلك يلقون على اللاجئين تبعات فشلهم وفساد سياساتهم وعجزهم عن إدارة شؤون البلد الذي انتُكب بتبوّئهم مراكز المسؤولية فيه، فيخلقون مناخات حقد سبق أن ترجمها رعاع في أكثر من مناسبة يافطات حظر تجوّلٍ أو برامج تفاهة تلفزيونية أو عنفاً في الشوارع وبعض تجمّعات اللجوء.

ويُعطف على كلّ ما ذُكر إبتزازٌ يمارسه العنصريّون إياهم، إذ باتوا يطالبون دورياً في محافل عربية ودولية وفي مؤتمرات أممية بترحيل اللاجئين السوريّين من لبنان، إما لإعادتهم الى سوريا أو لاستقبالهم في دول أخرى. وهم إذ يدركون تعذّر الأمر في احتماليه، يصرّون نِفاقاً على تكراره لقناعتهم بأنه مصدر كسب محتمل عبر المساعدات التي تأتي أو قد تأتي باسمه. ويصعب تخيّل هؤلاء معنيّين فعلاً بأي إنفاق اجتماعي على اللاجئين إن هم وصلتهم مساعدات، ويصعب تخيّلهم يقبلون بدراسات ترشّد المساعدات هذه فتذكر أعداد اللاجئين الفعلية مثلاً وأحوالهم المعيشية وخريطة انتشارهم والبلدات والمدن المستضيفة لهم ومساهمات بعضم في أكثر من قطاع اقتصادي لبناني.

أوهام استتباب الأوضاع سورياً

بموازاة تحريضهم وبثّهم البغضاء في لبنان، يزعم المسؤولون ذاتهم أن الحرب قد انتهت في سوريا وأن إعادة الاعمار على الأبواب تنتظر قرارات قد تتيح للشركات اللبنانية مساهمات وأرباحاً ينبغي التحضّر سريعاً لجنيها. وهم إذ يسوّقون لمزاعمهم ويتفاخرون بخرائط وصلتهم لمدن مقفلة وأبراج وحدائق مسوّرة يجري التخطيط لبنائها فوق أنقاض ضواحي دمشقية وعلى مشارف الغوطة المدمرّة، يتناسون أن في ذلك إن حصل ما يعني تمديد بقاء اللاجئين في لبنان، المتحدّر قسمٌ كبير منهم من المناطق تلك تحديداً، والمُستبعَدين بالطبع من المشاريع الفخمة الهادفة الى تكريس طردهم من بيوتهم والاستيلاء على مناطق عيشهم السابقة.

هكذا، يتخبّط المسؤولون اللبنانيون المشار إليهم في تناقضاتهم وتهافت منطقهم، ويتباهى بعضهم بعنصريّته معتبراً إياها وطنيةً، ولا يتورّع عن تخوين منتقديه واتهام معارضيه بالإساءة الى لبنان ومؤسساته وسمعته وسلمه الأهلي.

لحسن الحظّ أن في المجتمع اللبناني وفي أوساط منظّماته المدنية وناشطيه الحقوقيّين كثرةٌ تدرك صعوبة ظروف البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحدّيات تدفّق مئات آلاف اللاجئين إليه، لكنها لا تسلّم للعنصريّين ولخطابهم ولا تخضع لابتزازهم وتهويلهم...
زياد ماجد