Monday, May 11, 2015

مقولة "الأسد أو داعش" إذ تمعن في السقوط

تسارعت التطورات العسكرية في سوريا في الأسابيع الماضية، وتسارعت أيضا التطورات السياسية المرتبطة بها. ويُرجّح أن يستمرّ التسارع هذا على جبهتيه حتى شهر حزيران المقبل، موعد تقديم المبعوث الأممي دي مستورا تقريره الجديد وما يُحكى عن دعوته لـ"جنيف 3"، وموعد الانتخابات التركية العامة وإمكانية تجديد الأتراك لـ"حزب العدالة والتنمية" في قيادة البلاد بما يكرّس تعاون حكومة أنقرة مع قطر والسعودية في الشأن السوري، وموعد الجولة الأخيرة من المباحثات الأميركية الإيرانية من أجل التوقيع الرسمي على الاتفاق النووي.

ويبدو حتى الآن أن تطوّرات الميدان تهدف الى خلق واقع يصعب معه أن يقول أحد بعد الآن، لا سيّما في الغرب، إن الخيار في سوريا هو "بين داعش أو الأسد". فهذا الأخير يتعرّض لضربة عسكرية تلو الأُخرى، ويظهر عاجزاً رغم الطيران والصواريخ عن الثبات أمام التحالف العسكري للقوى المناهضة له في محافظة إدلب، التي سيطرت في الأسابيع الماضية على مناطق واسعة وأنزلت بجيش النظام هزائم كبرى، وتستمرّ في التقدّم باتّجاه مناطق جديدة على تخوم المحافظتين الساحليّتين وفي تقاطع طرق استراتيجي يربط وسط سوريا بمدينة حلب. وفي حلب بالذات، وبعد أن دار حديث النظام والإعلام الموالي له على مدى أشهر عن قرب اكتمال الطوق حول المناطق الخارجة عن سيطرته وعن فصل المدينة عن ريفها الشمالي، صار الجهد العسكري للنظام ينصبّ بالكامل اليوم على المحافظة على مواقعه المهدّدة ومنع عزل قواته المتواجدة في المدينة وفي نبّل والزهراء، وهو ما قد يصبح مستحيلاً في المقبل من الأيام.
وفي الجنوب، فشل النظام مدعوماً بالضباط الإيرانيين وبحزب الله وبعناصر مليشياوية عراقية وأفغانية من إحراز أي تقدّم في محافظتي درعا والقنيطرة، وخرجت آخر النقاط الحدودية مع الأردن عن سيطرته.
أما في دمشق وغوطتيها، فتستمرّ المراوحة على حالها، إذ أن جوبر ما زالت جبهة مفتوحة لم يُفلح النظام في إخمادها، وتقدّمه في بعض محاور الغوطة الشرقية لم يؤثّر جدّياً على توازن القوى فيها. 


وفق هذه المعطيات، تكون المعادلة البائسة التي حاول الأسد والمروّجون له غرباً نشرها عن كونه البديل الوحيد لـ"داعش" قد أصبحت نكتة سمجة ميدانياً، وهي في الأصل وضاعة أخلاقية وقصر نظر سياسي فادح. وحتى مع وجود قدرة داعشية على إحداث أضرار جديدة في "المشهد السوري" الراهن وارتكاب جرائم فظيعة لجذب الانتباه الإعلامي – على نحو ما جرى في مخيم اليرموك وريف سلمية منذ فترة – وحتى مع احتمالات توتير للأوضاع في ريف حلب الشرقي حيث تحتلّ "داعش" مناطق حيوية، فإن الدينامية العسكرية القائمة والمرشّحة للإستمرار جعلت البحث السياسي يتركّز اليوم على "تنظيم سقوط النظام" عوض البحث في تعويمه لمواجهة "داعش". وهذا أمر شديد الأهمية دولياً بمعزل عن تقييم القوى التي تكيل له الضربات، لا سيّما في الشمال السوري.

وإذا كانت إيران وحزب الله يعتقدان أن توجيه الأنظار نحو القلمون والتهديد بمعركة كبرى هناك قد يُعيد بعض التوازن الى الوضع السوري، ففي اعتقادهما مزيج من الوهم والغرور. ذلك أن في تدخّلهما المباشر والثقيل ما يؤكّد عجز النظام الكامل عن مواجهة خصومه الداخليّين من جهة، وفيه من جهة ثانية ما يُناقض احتفالاتهما العام الفائت بالنصر في يبرود، ثم حديثهما المتكرّر منذ أشهر عن أم المعارك في القلمون، أي في محيط يبرود!

هل يعني كلّ ما سبق، معطوفاً على التصفيات الداخلية في دمشق وآخرها قتل رستم غزالي على وقع عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أن سقوط الأسد بات وشيكاً؟ ليس بالضرورة. لكنه يعني أن الدينامية العسكرية الراهنة، وما تفرضه من تقييم سياسي، تدفع نحو هذا السقوط، أو بالأحرى تُظهر أنه لم يعُد لأحدٍ أن يطرح حلّاً سياسياً لا يلحظ السقوط المذكور. وهذا وتبعاته، بالطبع، مبحثٌ آخر...
زياد ماجد