تتصاعد الاتصالات الدولية في ما خصّ مؤتمر "جنيف
2"، ويحاول وزير الخارجية الأميركي إقناع الائتلاف الوطني السوري كما بعض
وزراء الخارجية العرب بحضور المؤتمر والسعي لإنجاحه.
في المقابل، تبدو جبهة روسيا – إيران – النظام الأسدي
أكثر برودة، إذ أن النظام ينتظر مآل الاتصالات ويحاول تحسين أوضاعه العسكرية في محيط
دمشق والدفاع عن مواقعه في حوران لمنع أي عملية معارضة باتجاه العاصمة. وهو يراهن سياسياً
ومادياً على الغطاء الروسي وعلى استمرار الدعم الإيراني رغم النافذة التي فتحتها
طهران في علاقتها بواشنطن.
على أن الغموض الذي يكتنف حتى الآن شروط "جنيف
2" وتفاصيل التفاهمات الأميركية الروسية يستدعي التوقّف عند أربع مسائل يمكن
للمعارضة السياسية وللقوى الثورية إيلاءها بعض الأهمية.
المسألة الأولى ترتبط بضرورة ربط الحوار بشرطيّة وقف
إطلاق النار والإفراج عن عشرات الألوف من المعتقلين والأسرى، وفي طليعتهم القادة
السياسيين والضبّاط المنشقّين، والسماح بممرّات إنسانية تفكّ الحصار الخانق على مناطق
الغوطة وعلى معضمية الشام ومخيّم اليرموك وأحياء حمص القديمة.
المسألة الثانية هي الإصرار على التعهّدات العلنية من الإدارة
الأميركية الداعية للحوار ومعها الإدارات الأوروبية والإقليمية بأن لا مكان لعائلة
الأسد في المستقبل السياسي لسوريا، وأن كل تفاوض مؤقت مع ممثّلي هذه العائلة هو لوقف
القتال وللتحضير لنقل السلطة وليس للتعاون معها في مرحلة إنتقالية طويلة. وأجوبة بعض
المسؤولين في الغرب الذين يتطرّقون للأمر مستشهدين بمثال ميلوسيفتش في يوغوسلافيا
السابقة الذي "جرى الاتفاق معه وبقي فترة في السلطة ثم وجد نفسه في
لاهاي" ليست مقبولة لأن الوضع الدولي قبل خمسة عشر عاماً ليس هو نفسه اليوم، والتعهّدات
بهذا المعنى ينبغي أن تكون واضحة.
المسألة الثالثة هي التي تقرن القبول بمبدأ الحوار بطلبات
التسليح التي تُتيح حسن سير العمليات العسكرية في حال فشل المفاوضات أو في حال
تأجيلها، كي لا يكون الوقت عنصراً هاماً لصالح جيش النظام المجهّز والمدعوم بآلاف
مقاتلي الميليشيات المذهبية العراقية واللبنانية.
أما المسألة الرابعة، وهي تلك التي ينبغي توقّع
متطلّباتها إن انعقد الحوار، فترتبط بما تستطيع المعارضة تقديمه كخطّة لتفكيك
البنية الأمنية الصلبة للنظام من خلال تقديم قوائم بأسماء الضباط الواجب إبعادهم
(ثم محاكمتهم على الجرائم الميدانية) والأجهزية المخابراتية الواجب حلّها بالكامل وتحديد
ما يمكن القبول به من تسويات وما لا تنازل عنه نهائياً، مع طرح أسماء ضباط
ومسؤولين يمثّلونها لتولّي المسؤوليات في المرحلة اللاحقة.
بهذا المعنى، لا يكفي قول المعارضة بموافقة على المشاركة
أو برفض. من الضروي في الحالتين وضع الشروط، وفي حالة الرفض ينبغي التفكير
بالبدائل والتأكّد من القدرة الأوروبية (الفرنسية بخاصة) والعربية والإقلميمية
(الخليجية والتركية تحديداً) على الاستمرار في الدعم السياسي والمادي والعسكري
للثورة بمعزل عن الموقف الأميركي، وربما بعكس إرادته، خاصة أن ما بعد الرفض سيشهد
جولات قتال ضارية مع النظام، وعلى الأرجح مع "داعش"...
المهمّ أن التفاوض من أجل التفاوض مسار شديد السلبية
والخطورة. والتفاوض الذي يرافقه تحسين الأوضاع الإنسانية لملايين السوريين من
ضحايا حصار وقمع وسجن وتهجير فرضها النظام (وهذا في ذاته مساهمة في إضعافه)، والذي
يُبقي خلال انعقاده الأولوية لتدعيم خطوط الصراع الميدانية يمكن النظر فيه.
فالسياسة قد تتطلّبه، تماماً كما التقاط الأنفاس قبل انقضاض جديد...
زياد ماجد