Tuesday, July 14, 2009

في المجريات الإقليمية والدولية

يكثر الحديث في لبنان اليوم عن مرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية.
في ما يلي، محاولة لتلمّس بعض المعطيات المستجدة، إنطلاقاً من البحث في الديناميات المتعلقة بثلاث دول على تماس مباشر مع لبنان وعلى تأثير فيه: سوريا وإيران وإسرائيل.
أولاً: في "المسألة السورية":
يمكن القول إن مسارين يرسمان العلاقة دولياً وإقليمياً مع النظام السوري في المرحلة الراهنة.
- مسار أوروبي تقوده فرنسا، ويهدف الى التطبيع السياسي والاقتصادي السريع مع دمشق ودعم مساعيها للتصالح مع واشنطن، لإبعادها عن طهران وعزل الأخيرة تمهيداً للتفاوض معها مجرّدةً من أهمّ أوراقها. وبالتوازي، يتم تقديم دفتر شروط يمرّ باحترام استقرار لبنان، وضمان أمن قوات الطوارئ المنتشرة في جنوبه وفق القرار 1701، وفتح السوق السورية لاستثمارات وعمليات تجارية فرنسية وأوروبية. وتتماثل المقاربة السعودية الحالية الى حد بعيد مع هذا المسار الفرنسي الأوروبي.
- ومسار إنفتاح أميركي حذر وبطيء يرى في ترجمة الوعود السورية الى ممارسات تضمن الهدوء في العراق ولبنان وتضبط الحدود معهما وتقلّص هوامش تحرّك حزب الله، دليلاً على صدق النوايا ومدعاةً للتطبيع. وهو بدوره مسار يعدّ فصل دمشق عن طهران مكسباً كبيراً وإتاحة لفرصة تحريك الديبلوماسية مع إيران "معزولة".
ويمكن اعتبار الأداء المصري الراهن أقرب الى الاميركي منه الى الأوروبي والسعودي.
ثانياً، في الموضوع الإيراني:
نقف هنا، منذ وصول أوباما الى البيت الأبيض أمام مواقف أميركية مشابهة للمواقف الأوروبية، وداعية الى اعتماد الحوار مع إيران، وتطمينها الى احترام دورها الإقليمي ومكانتها شرط وضع برنامجها النووي تحت إشراف دولي يضمن الحيلولة دون تحوّله الى برنامج عسكري. ويترافق ذلك مع مساعي أميركية لنوع من مقايضة روسيا بالدرع الصاروخي على حدودها الغربية بدعمها النووي لإيران، كما يترافق مع ما أشرنا إليه سابقاً من فصل إيران عن حلفائها وجعلها في موقع تفاوضي أصعب، ومن تلويح بعقوبات اقتصادية قاسية إن لم تتجاوب مع المساعي الديبلوماسية "الإيجابية".
في مقابل ذلك، تعمل إسرائيل بجهد حثيث لإقناع واشنطن وعواصم القرار الأوروبي بضرورة مهاجمة إيران عسكرياً وتدمير منشآتها النووية قبل ما تسمّيه تل أبيب "فوات الأوان مع استحقاق القنبلة". وتزعم إسرائيل أن ضرب إيران يسهّل الحلول في المنطقة ككلّ.

ثالثاً، واستطراداً في الوضع الإسرائيلي:
تحاول إسرائيل إذن الدفع باتجاه الحرب. حرب على إيران بالترافق مع ضرب لحزب الله وحماس، أو على الأقل مع منع لهما من التحرك، عبر الاتفاق مع النظام السوري (برعاية دولية) على الضغط عليهما "للهدوء" والاستكانة. وترفق إسرائيل خطط الحرب على إيران بالإعلان عن الاستعداد للتفاوض مع دمشق ومباركة المسعى الفرنسي للعب دور وسيط في هكذا "مفاوضات سلام" من أجل تخفيف الضغط عليها في ما خص التسوية مع الفلسطينيين (لرفض حكومتها الحالية أي حل يضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية)...
أين يقع لبنان من كل هذه المعطيات؟
لا شك أن التماس الجغرافي مع إسرائيل من جهة، والطموح السوري للعب دور جديد بحجة "تسهيل" الأمور من جهة ثانية، والحاجة الإيرانية للتلويح بالجبهة الجنوبية في حال تعرّضها للضرب من جهة ثالثة، تجعل من لبنان حلبة صراع مفتوح تجلب التدخلات والوساطات الأميركية والأوروبية والعربية والأممية غير المضمونة النتائج.
على أن ما يزيد من تصعيب الأمور وسط كل ذلك، هو أن الانقسام اللبناني الداخلي، وإصرار حزب الله على إدارة تحالفاته الخارجية بمعزل عن الدولة اللبنانية يقحم البلاد في ما لا قدرة لها على احتماله: الانخراط "ميدانياً" في معسكر كان إيرانياً سورياً وقد يصبح إيرانياً فحسب، ويضعها قسراً في موقع متقدم في الصدام إذا حصل، مفسحاً في المجال أمام النظام السوري للعب دور قد يبدو لكثر في الغرب "ضرورة للضبط" (خاصة إن صدر عن المحكمة الدولية في المرحلة القادمة قرار ظني يشبه ما ذهبت إليه "دير شبيغل" الالمانية! وهذا شأن آخر يتطلّب قراءة دقيقة له ولتداعياته الخطيرة والمعقّدة، وغير البعيدة تماماً عن المناخات الإقليمية المشار إليها في هذه العجالة)...
وفي أي حال، ليس الجزم بمؤدّيات الأمور في المنطقة اليوم سوى ضرباً من ضروب "التبصير"، إذ أن المسارات تحمل احتمالاتها في ذاتها وفي حركتها وقد تُنتج أحداثاً مختلفة.
لكن المهم هو رصدها ومحاولة فهمها. والأهم هو الإسراع في تشكيل سلطة لبنانية تنفيذية تستند الى نتائج الانتخابات التشريعية، وتؤمّن مستوى من المشاركة الوطنية لا يعطّل حداً من التجانس المطلوب في الحكم، لبلورة خريطة طريق وطنية تتعامل أولاً مع الاحتمالات والسيناريوهات الخارجية على اختلافها، وثانياً مع الملفات الداخلية الكثيرة الكثيرة...
زياد ماجد