في عيد التحرير أمس، قال أمين عام حزب الله إنه يأمل "أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه اللبنانيون أكثر من أي وقت مضى أن هذا العيد عيدهم وأن يتعاطوا معه على أنه كذلك". وخاطب في كلمته الدروز ثم المسيحيين فالسنّة ليؤكّد على حرص حزب الله على التواصل معهم ورفضه الفتنة أو الاقتتال في "الداخل"، كي يبقى سلاحه "مقاوماً" موجّهاً نحو "الخارج".
بذلك، عبّر السيد نصر الله عن أزمتين يواجههما حزبه (ولا تسلم منهما البلاد) رغم كل المكابرة ومحاولات التغطية عليهما:
الأولى، أن جزءاً من اللبنانيين لا يعتبر نفسه معنياً بعيد التحرير الذي ينظر إليه حزب الله بوصفه "العيد الوطني" الأهم.
والثانية، أن الحزب يشعر بقطيعة مع الجزء الأكبر من المجتمع اللبناني، بمكوّناته الطائفية المختلفة، وأنه يحتاج عشية كل استحقاق لمخاطبة هذه المكوّنات وإبداء الودّ تجاهها تواصلاً معها ودعماً لحلفائه في أوساطها.
ولعلّ تشريح أسباب الأزمتين المذكورتين يفيدنا لفهم الواقع الخطير الذي ساهم حزب الله في خلقه في السنوات الأخيرة.
- فالحزب فوّت على الكثير من اللبنانيين فرصة الاحتفال بعيد التحرير من خلال رفضه القبول بالنتائج المفترضة للتحرير عام 2000، ومنها استكمال تطبيق اتفاق الطائف وإتمام الانسحاب العسكري السوري من لبنان (المتذرّع وقتها بالاحتلال الاسرائيلي) والشروع في بناء الدولة ووضع السلاح في أمرتها ونشر قوّاتها على الحدود الجنوبية.
عوضاً عن ذلك، أصرّ الحزب (وحلفاؤه الخارجيون) يومها على صيغ تُبقي الوضع على ما هو عليه وتحول دون الاستفادة من التحرير. فكانت مزارع شبعا، التي تمنّع النظام السوري عن تقديم نص للأمم المتحدة يعترف بلبنانيتها (إذ أنها سورية وفق الخرائط الدولية) لتوضع تحت القرار الأممي 425 وتُلزَم إسرائيل بالانسحاب منها (مما أبقاها تحت القرار 242)، ضالتّه. وتمّ من خلال المزارع المحتلة ربط النزاع بوضع المنطقة ككل، واستخدامه ذريعة للمحافظة على الستاتيكو الداخلي القائم. فتحوّل بالتالي إنجاز طرد إسرائيل لأول مرة من أرض تحتلها بعد نضالات وجهود شارك فيها عشرات الألوف من اللبنانيين منذ ما قبل نشوء حزب الله وحتى 25 أيار 2000 الى مجرّد احتفال لا تُبنى عليه السياسات ولا يمكن توظيفه لتحقيق السيادة الوطنية والشروع ببناء الدولة المستقلة.

فبدا إنجازه التحريري للجنوب وكأنه في تضاد مع إنجاز سائر اللبنانيين الاستقلالي المفضي خروجاً عسكرياً سورياً من لبنان في 26 نيسان 2005. بكلام آخر، بدل جعل تاريخي 25 أيار و26 نيسان مدخلَين الى الوطن المستقل الجامع لأبنائه، جعلهما حزب الله متناحرَين، فصار قسم كبير من المواطنين في غربة عن التاريخ الأول، فيما لم يكتف القسم الآخر (الممثّل بحزب الله) بالابتعاد عن التاريخ الثاني، بل راح يشتمه ويخوّن صانعيه.
قد يكون 7 حزيران القادم مؤشراً هاماً على مدى تصديقهم. وبمعزل عن ذلك، لا يمكن تخيّل سلم أهلي واستقرار وطني مديد في لبنان من دون إقرار بأن أولى موجبات "التحرير" عام 2000 هي الاعتراف "بالاستقلال الثاني" عام 2005، والبحث في شروط مصالحة الإنجازين وتجنّب تصادمهما من جديد. ولا يكون ذلك لا بربط لبنان بصراعات المنطقة ومحاورها، ولا بسوق الاتهامات وإصدار شهادات الوطنية والعمالة. يكون فقط في أولوية البحث في سبل بناء الدولة وحفظ أمنها وحدودها وتطوير اقتصادها وعمرانها وحماية حقوق أبنائها وبناتها.
من دون ذلك، ستبقى أعيادنا وتواريخنا أقرب الى الأعباء منها الى الإنجازات.
زياد ماجد