Tuesday, June 12, 2012

فائض القوة

تُستخدم عبارة "فائض القوة" كثيراً في لبنان لتوصيف حالة حزب الله.
فللأخير قدرات تنظيمية وتعبوية وخدماتية وعسكرية كبيرة تسمح له بلعب أدوار سياسية تفوق الأدوار التي يلعبها غيره من الجماعات، الممثِلة كتلاً طائفية رئيسية في البلاد.

ولفائض القوة الحزب إلهي هذا مفاعيل عدّة. فبوسع الحزب تجاهل شروط الديمقراطية التوافقية التي ترعى الحياة السياسية اللبنانية في العديد من الميادين: 1- تحالفاته الخارجية المُتنازع حولها، 2- إدارته الحرب مع اسرائيل وارتباطه بحسابات لا يُشارك قسم كبير من اللبنانيين في وضعِها؛ 3- إعتماده العنف المنظّم لإسقاط حكومة أو تعديل توازن قوى انتخابي؛ 4- إنفاقه المالي وبناؤه مؤسسات تتميّز عن سواها من تلك التي ابتنتها بعض الطوائف خلال الحرب بالبعد العقائدي وبالسيطرة الكاملة على الحقل الديني وعلى دور العبادة حيث التعبئة الإيديولوجية تجاور الطقوس الاجتماعية.

بهذا المعنى، يبدو حزب الله قادراً على إفراغ القواعد الدستورية والشروط الميثاقية للتجربة اللبنانية من مضامينها، ولو محافظاً في الشكل على مروحة تحالفات طوائفية تغطّي فائض قوّته وتشاركه شكلياً في إدارة السلطة.


على أن التدقيق في الأمر يظهر أن لتوظيف فائض القوة حدوداً في بلد مثل لبنان.
فالتوظيف هو أوّلاً مؤقّت. ذلك أن التحالفات الداخلية عرضة للتبدّل تماماً كما التوازنات الإقليمية. ومع تبدّلها يمكن لأثر الفائض هذا أن ينتفي في الواقع السياسي، أو على الأقل أن ينحسر.
وهو ثانياً قسري. أي أن مجرّد سحب وسائل العنف المباشر منه (السلاح) تضعف مفاعيله وتجعله عرضة لمحاسبة سياسية جدّية.
وهو ثالثاً محكوم بجغرافيا وديموغرافيا مذهبية لا يمكن تبديلهما. والحزب قد استثمرهما الى أقصى حد، ولا فرص تمدّد إضافية له داخلهما أو خارجهما. فهو شيعياً مسيطر تماماً، ومسيحياً وسنياً ودرزياً (وعلمانياً) مستوفٍ لجميع إمكانيات التحالف، ولم يعد أمامه سوى مراقبة تراجع حليفه الأول، التيار العوني، في طائفته لصالح خصومه المباشرين.
والتوظيف هو رابعاً، وهنا الأمر الأخطر له وللبلاد، مدعاة استنفار مضاد، يهدف الى لجم النتائج السياسية الداخلية المترتّبة عنه ومواجهته "عقائدياً"، أي مذهبياً. وهذا الاستنفار رأينا ملامح تصاعده بعد آذار 2005، ثم عقب أيار 2008، وها هو يصبح حقيقة منذ آذار 2011. ولا لبس في مسؤولية حزب الله وخطابه الاستفزازي عنه. ولا لبس كذلك في أسباب الاستفزاز وارتباطها باستباحة بيروت عسكرياً، وبعلاقة الحزب بنظام دمشق ودفاعه عنه (وبالتالي عن جرائمه، من الاغتيالات داخل لبنان الى المجازر داخل سوريا).

من هنا، لا بدّ لحزب الله مهما بلغ به الغرور أن يقرّ بأنه يستنزف يومياً من فائض قوّته، نتيجة فشل إدارته غير المباشرة للوضع الداخلي اللبناني ووصول الأخير الى مراوحة لا يقطعها بين الحين والآخر سوى التوتّر والاشتباك؛ والأهم، نتيجة مواقفه من الثورة السورية والتصاقه بالسياسة الخارجية الإيرانية التي أحدثت طلاقاً بينه وبين جمهور عربي عريض كان يتخطّى المذهبية عند نظرته إليه ويكتفي بهالته "المقاومة".

بغير هذا الإقرار وبغير السعي للتصرّف بموجبه، سيتحوّل فائض قوة حزب الله الى فائض احتقان في لبنان لن يكون لا الحزب ولا اللبنانيون بعمومهم بمنأى عن نتائجه الوخيمة.
زياد ماجد