Wednesday, October 19, 2011

ثورات لاستئناف الحياة

ليس تفصيلاً أن يستعيد الليبيون في ثورتهم العلَمَ الذي رفعه آباؤهم بعد الاستقلال عام 1951، طارِدين من حاضرهم ومن مُستقبلهم علَم القذافي وأحاديّته اللونيّة التي تُشبه الأحاديّة السياسية (والفردية – العائلية) التي أقامَها بِدءاً من العام 1969، والتي صبغها بالخَضار واعتمدها تسميةً لكتاب تُرّهات ومصادرةً لِساحات ومنشآت طبَعها بقراراته ورمزية التلوين الذي شاءه.

 وليست صدفة كذلك أن يستعيد بعض السوريين في مظاهراتهم، ولو على نحو محدود حتى الآن، علَم بلادهم الذي حيّوه لحظة الاستقلال والجلاء عام 1946 واعتُمد حتى العام 1958 حين استُبدل لثلاث سنوات بعلَم الوحدة مع مصر الناصرية قبل أن يعودَ مع الانفصال لسنتين ثم ينزعه البعث عام 1963 ويرفع مكانه علَم الوحدة من جديد.

ففي الحالتين الليبية والسورية، ورغم كل الفوارق، ثمّة رغبة عارمة في طيّ صفحة عقود أكلت من الأعمار والهامات وخيرات البلاد وحرّيات إبنائها وكراماتهم. وثمة كفاح مرير أثمر في ليبيا إسقاطاً للطاغية بعد حرب ودعم عسكري دولي مهّدت له قرارات الأمم المتحدة، وما زال في سوريا متواصلاً من خلال المظاهرات والكفاح والإبداع والتضحيات الجسام التي يراهن أصحابها والمستعدّون لِبذلها على إسقاط النظام بواسِطتها، إذ لا بدّ لها في النهاية من التسبّب بتشقّقه وتفكّك بنيته الأمنية التي لا قيام له ولا استمرار من دونِها.


وفي الحالتين الليبية والسورية أيضاً، على اختلافهما، كما في حالات عربية أخرى، حنينٌ لمرحلة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وسعي لاستِئنافها من حيث انقطعت بعد بتر الانقلابات لها وتأسيسها جمهوريات (وجماهيريات) خوف واستبداد وقوانين طوارئ. فالمرحلة تلك عرفت في عدد من بلدان المنطقة أنظمة ذات نخب سياسية حملت بعض سمات الانفتاح في مجال الحريات العامة والخاصة وبعض الاهتمام بعلوم الإدارة والديبلوماسية والاقتصاد وغيرها من مستلزمات بناء الدول وتدبّر شؤونها، ولو أنها صدّت باب الارتقاء الاجتماعي وضيّقت هوامش المشاركة السياسية من دون أن تلغيها أو أن تعتمد العنف السافر وسيلة لمنع تطورّها وارتقائها.
والأنظمة هذه كانت على الأرجح قابلة للإصلاح، ببطء، لو لم تُطح بها الانقلابات الحاملة نُخباً عسكرية وأمنيّة تستظل بشعارات العدالة والحرية والوحدة العربية وتحرير فلسطين لتأجيل البحث في كل تحديث وتغيير داخلي ولقمع التعبير عن كل مساءلة أو معارضة، مكرّسة مسلك استبداد واحتكار نفوذ وتمييز وسجن وقتل على نحو بنى جدران خوف وصمت واستقالة من "السياسة" وابتعاد عن مستلزماتها...

اليوم إذن، وبعد أكثر من نصف قرن على عهد الاستقلالات، يفتح الربيع العربي الباب أمام استئناف بعض المجتمعات لتاريخها المنقطع والبدء بصناعة المستقبل.
اليوم، يستعيد الليبيون علماً رفعوه عام 1951 من أجل أن ينتقلوا الى العام 2012؛ ويتحسّر السوريون على تجارب عرفوها قبل عقود، فينتفضون لاستعادة وطنهم من خاطفيه ليؤسّسوا على فعل الاستعادة هذا بِناءً جديداً. بِناء يستحقّونه ويستحقّهم...
زياد ماجد