Tuesday, April 6, 2010

غياب الاقتصاد عن سياساتنا


يبدو المشترك الرئيسي في أكثر السجالات السياسية العربية غياب الاقتصاد عنها. فلا نقاشات في شؤونه إلا رفعاً للعتب أو تراشقاً بمقولات إيديولوجية غالباً ما تكون شعارات محفوظة عن ظهر قلب.
والأمر ناتج عن عوامل مختلفة، لعبت التركيبة المجتمعية والمساقات السياسية والنظم الريعيّة المتحكّمة بها أدواراً أساسية في خلق ظروفها.

ولعلّ استذكاراً سريعاً لعدد من العوامل التي ميّزت حقبات تاريخنا الأخيرة تفسّر ذلك. فالاقتصاد قام في ظل السلطنة العثمانية على التجارة والزراعة والصناعات اليدوية، وارتبط بالسلطة المركزية من خلال بعض الجبايات والجزيات التي كانت تعدّ عقوبات أكثر منها ضرائب يدفعها الناس لقاء خدمات، بمجملها محدودة. لذلك، ظلت المسألة الاقتصادية خاصة مرتبطة بملكية الأفراد أو الجماعات الصغرى للأرض أو توسيعهم البيع والشراء، بمعزل عن دور الدولة ومؤسساتها، وبمعزل عن فكرة "الشأن العام" ومبدأ المشاركة. وهذا لم يُنشئ وعياً مستقلاً يرفد السياسة بقضايا إدارة الموارد وإنتاج الثروات وتوزيعها.
ومع صعود الكولونيالية الأوروبية بأشكالها المختلفة، وسيطرتها على المنطقة إثر انهيار السلطنة في الحرب العالمية الأولى، أقيمت الإدارات الحديثة ووُضعت السياسات والقوانين التي هدفت الى نقل السلطة السياسية من هالتها الدينية و"أمبراطوريتها" العثمانية الى وضعيّتها وفلسفتها المستندة الى الدولة الأمة. لكن الإقتصاد ظلّ في الكثير من الحالات شأناً خاصاً، أو إدارة كولونيالية. ورغم نموّ بعض القطاعات الخدماتية والتجارية المدينية وتأسيس صناعات وتطوير نظم جباية، إلا أن الفكرة الإقتصادية لم تتحوّل الى مكوّن من مكوّنات الوعي السياسي إلا بما هي أحياناً ارتباط بالتوجّه الوطني المواجه "للاستعمار".
ثم جاءت الاستقلالات وعصرها الليبرالي الأول، لتكرّس الإقتصاد شأناً نخبوياً ولتحافظ على القسمة الطبقية وتعمّقها.
ومع مسلسل الانقلابات العسكرية وما تبعها من قيام "اشتراكيات عربية"، صار التداول بالاقتصاد محصوراً بما يدور حول تعميم التعليم والطبابة من جهة، والإنفاق على التسلّح وعلى النخب العسكرية الحاكمة والقواعد الموالية لها من جهة ثانية، في ظل تضخّم في الإدارة وفي شبكات الفساد المحيطة بها. كل ذلك مع تحوّل الريع النفطي (في الخليج والعراق وليبيا والجزائر) الى دخل مالي شبه وحيد وأداة تطويع سياسي وقيمي، تماماً كما تحوّل المساعدات الخارجية (من الولايات المتحدة ثم الاتحاد الأوروبي) لعدد من البلدان وحوالات المهاجرين نحوها الى عنصري دعم للوضعين الماكرو إقتصادي والميكرو إقتصادي تباعاً...
وطبعاً بقيت أسئلة الضرائب والموازنات ومراقبة الإنفاق وقطوعات الحساب والفوائد والاستدانة والعجز أموراً لا فقه للمواطنين فيها ولا متابعة لها ولا حضور في برامج الأحزاب السياسية (عند وجودها أو عند السماح لها بطرح البرامج).
فهل والحال كذلك، يمكننا اليوم استغراب قلّة المعرفة بالاقتصاد وبدوره في السياسة؟ وهل يمكن التفاجؤ عند سماع التكرار في شعارات السياسيين والناشطين و"المواطنين العاديين" بين من يريد الخصخصة ومن يرفضها، ومن ينادي بالحرية ومن يضع قبلها العدالة الاجتماعية، وجميعهم قد يعطي أرقاماً وأمثلة تصل المبالغات فيها الى حدّ إضافة صفر على المبالغ المطروحة، أو تحريك فاصلة من موضع الى آخر عند البحث في نسب أو معدلات؟
وهل إن عدنا الى التعريف الأولي للمواطنة الذي ربط ارتقاءها تاريخياً بدفع الضرائب بهدف الحصول على الخدمات، ثم ربط الضرائب بالمسؤوليات الاجتماعية وبحق المساءلة السياسية والمحاسبة وتغيير السلطة بالاقتراع الدوري، يمكن أن نرى عندنا ما يشي بالاقتراب من محاولات ربط مشابه؟
لا يبدو ذلك ممكناً، بل تبدو معظم هذه الأمور غريبة عنا، ولا توقاً ظاهراً لدينا يشدّنا إليها...
زياد ماجد