يسلّط تهجّم رئيس السلطة التشريعية على رئيس الحكومة الضوء على مستويات ثلاثة للتردّي السياسي والقانوني في البلاد.
ذلك أن هذا التهجّم، وبمعزل عن الإسفاف في اللغة والمفردات المعتمدة فيه، وبمعزل عن شبهات توقيته وأبعاده الانتخابية والسياسية المباشرة، يبيّن:
- أوّلاً، أن مبدأ فصل السلطات في لبنان، الذي نصّ عليه الدستور والذي تفترضه كل الأنظمة الديمقراطية، صار مجرّد مقولة مُفرغة من كل بعد إجرائي ومن كل سياق مؤسساتي. فرأس السلطة التشريعية (وهو بالمناسبة ممثّل للأقلية النيابية، وفي ذلك أساساً مفارقة)، بات شريكاً دائماً في السلطة التنفيذية، لا بل وصيّاً على أعمالها وتعييناتها التي تخصّ المنطقة والطائفة اللتين ينتمي إليهما. وهو مفاوض لها على إدارة البرامج والموازنات عبر وزرائه وحلفائهم الأعضاء فيها (والمعارضين لها في نفس الوقت!) على نحو لا يترك معنى لدوره كرقيب، أو كمدير لجلسات التشريع والمحاسبة والمساءلة. وهو إن اصطدم برئيس السلطة التنفيذية وبالأكثرية فيها، يستطيع التلويح بسحب وزرائه من تلك السلطة لإسقاط النصاب القانوني، أو الطوائفي، عنها.

- وثانياً، أن صناعة القرارات داخل المؤسسات في ما يخصّ إدارة البلاد والخدمات فيها لم تعد تمتّ بصلة الى مبدأ الاحتكام الى الدراسات والموازنات والأولويّات، ولا الى مواقف الأكثريات والأقليات ممّا يُطرح من خيارات. وهذا أمر لا علاقة له بفلسفة الديمقراطية التوافقية التي يُتذرّع بها، والتي تقوم في المجتمعات المتعدّدة على أساس التفاهم على القضايا المصيرية، الكيانية والسيادية، وليس على تلك التنظيمية أو الإجرائية الخاصة بإقرار موازنة هنا ودفع تعويض هناك... وبهذا المعنى، تبدو صناعة القرارات كما يشتهيها المنادون بموازنة مجلس الجنوب اليوم، تسويات على اقتطاع أموال لا يهمّ من أين تأتي ولا كيف تُصرف ولا كيف يُراقب صرفها. فالمسألة في عرف هؤلاء "حقّ مباح" لمن يمثّل طائفة ومنطقة، لا دخل لمؤسسة أو لدولة أو لقانون في شؤونه ومسالكها.
زياد ماجد