Sunday, March 23, 2025

التوحّشُ سياسةً وثقافة

منذ بدء حرب الإبادة التي تشّنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، تحوّل فائض العنف المسلّط على المدنيّين الى العامل الوحيد الذي تتطوّر بموجبه الخطط السياسية وتتحدّد الأهداف الاسرائيلية، بدعم أميركي، صار منذ عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض شراكة كاملة. 

بكلام آخر، اعتمدت إسرائيل منذ عام ونصف التوحّش العاري أو المدعّم بالتكنولوجيا و"الذكاء الاصطناعي" كسياسة رسمية للتعامل مع "المسألة الفلسطينية" في غزة. هكذا تدرّج عنفها من التدمير الممنهج للمساحات الحضرية وبناها التحتية المائية والكهربائية، أو ما يُسمّى بالانكليزية "أوربيسايد"، الى التخريب المنظّم تحطيماً ونهباً وحرقاً لما ينجو من القصف من منازل وأملاك خاصة، أو ما يسمّى "دوميسايد"، الى الاستهداف المباشر والقضاء على الجامعات والثانويات، "إيدوسايد"، وعلى المواقع الأثرية والتاريخية وعلى المتاحف والمكتبات العامة، "كولتوريسايد"، وصولاً الى التلويث المتعمّد للمياه وآبارها والحرق المتلِف للأراضي والمحاصيل الزراعية وللمساحات الخضراء استخداماً لأسلحة تحتوي على مواد حارقة مثل الفوسفور، أو ما يسمّى "إيكوسايد".

ومؤخراً استخدمت منظمات حقوقية مصطلحاً جديداً لتوصيف عمليات قتل أو اغتيال العاملين والعاملات في القطاع الطبي وفي القطاع التعليمي وهو "فيوتشوريسايد"، أي "إبادة المستقبل"، إذ لا أفق ولا حياة ممكنة إذا تمّ القضاء على المكوّن البشري القادر على توفير الطبابة والتعليم للناجين من المقتلة، وللجيل الجديد الذي لن يكون بمقدوره بعدَ تدمير المقوّمات المادية والمرافق الحيوية أن يدرس وأن يتخرّج بشهادات تُعين مجتمعه على إكمال الحياة فوق أرضه، ولو كانت أنقاضاً أو خيما.

Friday, March 21, 2025

المجزرة وتبِعاتُها

شهدت منطقة الساحل السوري بين السادس والعاشر من شهر آذار/مارس الجاري سلسلة أحداث وفظائع قُتِل فيها مئات الأشخاص. وظهّر ما جرى في أربعة أيام مقدار العنف الكامن في بعض البيئات في سوريا، ومقدار الكراهية وما يُبنى عليها من انقسامات أهلية. كما ظهّر استسهال إشهار مظلوميات، واستخدام الواحدة منها طرداً أو نبذاً للأُخرى، تبريراً للدم المُراق، أو تعمية على ازدواجيات معايير لم يستطع كثرٌ الخروج منها. ينطبق الأمر على حدّ سواء على من ارتبكوا في الكلام عن المقتلة الأخيرة وقلّلوا من شأنها، وعلى من تفجّعوا على ضحاياها حصراً بعد أن صمتوا أو تلعثموا لسنوات سابقة رغم عشرات ألوف جثث المدنيّين التي تناثرت في كامل الأراضي السورية.

Wednesday, March 12, 2025

هل سيواجه القادة العرب دونالد ترامب من أجل غزة؟

عادت غزة من جديد في الأسابيع الأخيرة الى صدارة الأحداث في المنطقة والعالم. ذلك أنها تحوّلت الى موضع تجاذب، ليس من المبالغة القول إن نتيجته ستكون عميقة التأثير في العلاقات الدولية وفي مستقبل القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة. 

بدأ الأمر بحملة إدارة ترامب على المحكمة الجنائية الدولية وعلى مسؤوليها بسبب مذكّرات التوقيف التي أصدروها بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. ثم تواصل مع الحملة الأميركية على جنوب إفريقيا، التي لم تأتِ ضمن سياق الهجوم على كندا والمكسيك وبنما، ولا على الصين أو الدانمارك، بل ضمن سياقٍ انتقامي من الجنوب أفريقيين بسبب دعوى الإبادة الجماعية في غزة التي رفعوها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية (ولأسباب عنصرية أيضاً، على صلة بخلفية إيلون ماسك، الجنوب أفريقي، ذي العائلة المرتبطة بنظام التمييز العنصري البائد). 

بموازاة ذلك، أكّد ترامب وقف كل تمويل لوكالات أممية ودولية إنسانية وتنموية، وكرّس القطيعة مع الأونروا استكمالاً للاستهداف الإسرائيلي لها بما هي "الشاهد" على القرار الأممي الخاص باللاجئين الفلسطينيين وبحق العودة، بعد أن كان هو نفسه قد قاطع اليونيسكو في ولايته الأولى بسبب اعترافها بعضوية فلسطين.

Wednesday, March 5, 2025

السعار الترامبي بوصفه تهديداً للعالم

لا تكفي مقاربة مسلك الرئيس الأمريكي السياسي وخطابه انطلاقاً من نظريات علم السياسةِ التي تحلّل خصائص القيادة الشعبوية وبحثها عن إثارة الغرائز وادّعائها التميّز والمعرفة والقدرة على الإجابة عن الأسئلة جميعها وفق ما يُرضي ميول مريديها، بمعزل عن الوقائع والحقائق.

ذلك أن الرجل تخطّى كلّ هذا منذ سنوات ولايته الأولى العام 2017. فهو امتهن الديماغوجية والمراوغة، وحوّل الأرقام الاقتصادية والمعطيات العلمية الى وجهة نظر، ودافع عن محاولات رفض النتائج الانتخابية وتداول السلطة حين خسر، وبرّر عنف الشرطة ضد المواطنين السود. وهو فوق ذلك اعتمد خطاباً رسمياً شديد التبسيط، قال الألسنيون إن قاموس مفرداته فقير لدرجة أن "عمره اللغوي" لا يتخطّى عمر المراهقة، جاعلاً السوقية في الكلام ركيزة من ركائز تصريحاته تجاه كلّ من لا يوافقه الرأي داخلياً وخارجياً.