Tuesday, September 27, 2011

عن فلسطين... للنقاش

هناك أربعة مكاسب كبرى للقضية الفلسطينية تحقّقها المعركة الدائرة في الأمم المتّحدة والتي ستُفضي اعترافاً أكيداً بالدولة، في الجمعية العمومية، ولو بعد وقت قد لا يكون قصيراً، وقد يتخلّله أكثر من محاولة بأكثر من مشروع في مجلس الأمن.

- المكسب الأول: إنتقال صيغة التعاطي مع فلسطين ال67 من صيغة "أراضٍ محتلة" يجري التفاوض حول مستقبلها مع الاسرائيليين الى صيغة "دولة تحت الاحتلال". وهذا قانونياً تحوّل كبير إذ يُنهي كل مقولة تروّج لمبدأ "الأراضي المتنازع عليها"، كما يُنهي كل التأويلات للقرار الأممي 242، ويقرّ بكون غزة والضفة الغربية بأكملها كما القدس الشرقية دولة واحدة محتلّة، مُغتصبة أراضيها ومياهها وجوفها وأجواؤها و"حدودها الدولية". وهذا يعني حُكماً أن المستوطنات جميعها غير شرعية ومرتبطة بانتهاك سيادة الدولة الخاضعة للاحتلال، تماماً كما هي حال الأجزاء المقامة من جدار الفصل العنصري فوق أراضي الضفة.

- المكسب الثاني: إنتزاع حق دولة فلسطين بالانتساب تلقائياً الى جميع المعاهدات الدولية، والى جميع منظمات الأمم المتّحدة أو تلك المنبثقة منها، وأهمّها محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، ثم اليونيسكو. فالمحكمتان ستتيحان رفع الدعاوى الدورية ضد الاحتلال وجرائمه وانتهاكاته ومسؤوليه، مما سيجعل المسارات القانونية تفرض نفسها على الاسرائيليين، وقد تمنع كثراً من ضبّاط الجيش والأمن وحتى القادة السياسيين من السفر مستقبلاً خوفاً من الملاحقات الممكنة. واليونيسكو، ستسمح لفلسطين بالتقدّم مباشرة بطلب تسجيل عدد من المواقع (في بيت لحم والخليل والقدس وغيرها من المناطق) كمواقع مصنّفة ضمن الآثارات العالمية والتراث الانساني. وهذا في ذاته حماية لها من التعدّي الإسرائيلي عليها.

- المكسب الثالث: إخراج الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من سياقه التفاوضي الراهن، حيث لا أملاً في أي تقدّم في ظل رفض إسرائيل لجميع المبادرات واستمرار توسيع المستوطنات وتقطيع الأراضي، وحيث لا دوراً وسيطاً لغير الإدارة الأميركية غير الراغبة في أي ضغط جدي على إسرائيل، والناكثة بعهودها لجهة سعيها لإقامة "حلّ الدولتين"، وفتحه على مسارات العلاقات الدولية ودينامياتها وعلى تدخلات الأمم المتّحدة والمؤسسات الدولية المعنية، وربما على أدوار أكبر للأوروبيين ولعدد من الدول الصاعدة في العالم (البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وغيرها). وإن عطفنا على الأمر احتمال افتتاح عشرات السفارات للدول المعترفة بفلسطين، أو محاولة ذلك، في القدس الشرقية، واصطدام المعنيين بإدارة الاحتلال، ومن ثم استعاضتهم المؤقتة عن الأمر ببعثات أو بقنصليات في مدن في الضفة، فهذا يعني أننا أمام مواجهات ديبلوماسية بين عشرات دول العالم وإسرائيل حول الموضوع وتبعاته، ويعني أيضاً تواجد مئات الموظفين وآلاف المرتبطين بهم وظيفياً وعائلياً في أراضي "الدولة الخاضعة للاحتلال"، مع ما سيوجده الأمر من اتفاقيات تعاون اقتصادي وثقافي، ومن "إشتباكات" مع الاسرائيليين ستزيد من الأزمات بينهم وبين العواصم المعنية.

- المكسب الرابع: انتزاع الاعتراف بالهوية الفلسطينية، هويّة وطنية وثقافية وتُرابية لشعب شُكِّك على مدى قرن من الزمن "بكونه شعباً"، وبكون "فلسطينيّته" تعني شيئاً. وهذا الاعتراف بهوية الفلسطينيين وبانتمائهم الى جغرافيا وتاريخ يتخطّى الحقل الرمزي ليُلامس مختلف الجوانب القانونية والسياسية.


هل هذا يعني أن إعلان الدولة سيُغيّر الحياة اليومية للفلسطينيين في فلسطين ال67؟ ليس بالضرورة، أو بالإحرى لا، في المدى القصير. فالانتهاكات الاسرائيلية ستستمرّ، والدعم الاميركي لها سيستمرّ على الأرجح أيضاً. لكن من يراقب الهوَس الاسرائيلي بالطلب الفلسطيني والحملات المُتتابعة ضده، ومن يراقب الاستشراس الأميركي المُرفق بكل أنواع الضغوط والعروض لإسقاطه من دون الاضطرار الى استخدام الفيتو في مجلس الأمن، ومن ثم التيقّن الاسرائيلي الأميركي بالخسارة في الجمعية العمومية في مواجهة معظم دول العالم، يُدرك أن الموضوع يحتلّ في تل أبيب وواشنطن مرتبة شديدة الأهمية وأنه أكثر جدّيّة بكثير من محاولات تحجيمه من قبل أطراف فلسطينية وعربية.
وهل هذا يعني، بالمقابل، أن القيادة الفلسطينية بمختلف حلقاتها هي اليوم في أدائها العام بمستوى هذا الاستحقاق وما سَيَليه من مواجهة ومن تحدّيات ثم من إنجازات؟ أيضاً، وللأسف، لا. ويمكن القول عطفاً على ذلك إنها تأخّرت في هذه الخطوة الكبرى، وإنها تأخّرت في الكثير من الخطوات الأخرى. لكن كل هذا لا يمنع من تقدير ما قامت به، وما تطلّبه الأمر من إقدام ومن تحرّر من الأعباء والتهديدات. وكل هذا لا يمنع كذلك من تقدير خطاب الرئيس محمود عباس في نيويورك وتماسك مضمونه. والمفيد اليوم هو البناء على الصورة الايجابية التي رافقت جلسة الأمم المتحدة لبلورة نهج جديد يُعيد الى المؤسسات الفلسطينية المترهّلة أو المُعطّلة في الداخل وفي مجتمعات اللجوء ومخيماته الدور الأساسي في رسم برنامج عمل إعلامي وثقافي وسياسي وقانوني يُواكب المعركة الديبلوماسية ويستكملها ويتعامل مع احتمالاتها وانعكاساتها، وبالأخص على قضايا اللاجئين وحقوقهم. والأهمّ هو استعادة المجتمع الفلسطيني، في لحظة الربيع العربي هذه، ريادته عربياً في الدفاع عن الحرية والحقوق وإطلاقه ربيعاً فلسطينياً ومظاهرات دورية وحراكاً شعبياً مدنياً ضد الاحتلال والجدار والاستيطان ومصادرة الأراضي والحواجز العسكرية، وضد الانقسام الفلسطيني الفاصل غزة عن الضفة والقدس...

وهذا يتطلّب كي لا يبقى كلاماً مُعلّقاً بالهواء مبادرات فلسطينية - فلسطينية لإيجاد قواعد مشتركة للعمل بين الفصائل والهيئات والجمعيات، ويتطلّب البحث في استكمال المصالحة الداخلية أو تحديد المسؤول عن عدم إتمامها وتعريضه للمساءلة والضغوط الشعبية. ويتطلّب أخيراً نقاشاً وسجالاً ورصداً لكل الخطوات والمهام لإبقاء النقد مسلّطاً على أي تهاون أو استخفاف.

أما المُزايدات والتخوين وكَيل الاتّهامات من قبل رابطي الأرض بالغيب، وأما المُتاجرة بالدماء من قِبل حلفاء الاستبداد صنو القهر والاحتلال، وأما العنصرية ضد اللاجئين وعودة النغمات حول توطينهم ربطاً بمشروع الدولة الفلسطينية، فجميعها صارت خطابات وممارسات لا تقدّم ولا تؤخّر... ولا تسبّب غير الاشمئزاز.
زياد ماجد

For an English Version of this Article, please click here