لطالما اشتكى بعض الليبراليين العرب، عن حقّ، من شعار مركزية القضية الفلسطينية الذي رفعته تيارات قومية ويسارية، ثم استظلّت به أنظمة عربية قمعية لتبرّر التقاعس في التعامل مع المتطلّبات الحياتية في المجتمعات، اقتصاديةً وثقافية وحقوقية، ولتخوّن وتعتقل وتغتال المختلفين معها أو المعارضين لاستبدادها. ولطالما استُخدِم هذا الشعار للتعتيم أيضاً على خواء فكري يهرب من أي استحقاق أو سؤال وجوديّ، فيستنجد بفلسطين وبالظلم الذي سلّطه المحتلّون الإسرائيليون على أهلها ليتمنّع عن الإجابة.
واستمرّ الأمر إياه قائماً، ولَو مع مفردات جديدة، بعد صعود الحركات الإسلامية، وسيطرة بعضها على الفضاء العام والخطاب السياسي الذي تراجعت فيه مكانة القوميين واليساريين وسطوتهم.
لكن ما لم يُنتبه إليه كفاية في الفترة إياها، هو أن الموقف المضاد، أو البديل، للمركزية الفلسطينية، لم يتكوّن على أساس البحث الجديد فيها كمسألة تفرض تحدّيات سياسية وعسكرية وحضارية، من ضمن مسائل وتحديّات كثيرة أُخرى، بل على افتراض أن تجاهلها تماماً أو التصرّف أحياناً وِفقاً لما يناقضها، هو أبرز عناصر التأسيس لفكرٍ "متنوّر"، ولتنظيمِ قوى سياسية "حديثة" تقود الى شكلٍ من أشكال الخلاص الفردي والعام. وبهذا، انطلق من عدّ نفسه مجدِداً أو تغييرياً من مفارقة صارخة، مفادها أنه يريد التفكير والعمل بمعزل عن أخطر قضية تتطلّب التفكير والعمل! ذلك أنها، بمعزل عن توظيفاتها ورقاعة الاستظلال بها، تفرض نفسها في المنطقة والعالم بوصفها مختبراً سياسياً وأمنياً لا يمكن إغفاله وإغفال تداعياته وآثاره، ولو أنه لا يمكن في المقابل الاستسلام لاستعصائه على الحلول وتأجيل ما عداه بحجة الاستعصاء هذا.