Monday, July 28, 2025

المركزيات الطائفية إذ حلّت مكان المركزية الفلسطينية

لطالما اشتكى بعض الليبراليين العرب، عن حقّ، من شعار مركزية القضية الفلسطينية الذي رفعته تيارات قومية ويسارية، ثم استظلّت به أنظمة عربية قمعية لتبرّر التقاعس في التعامل مع المتطلّبات الحياتية في المجتمعات، اقتصاديةً وثقافية وحقوقية، ولتخوّن وتعتقل وتغتال المختلفين معها أو المعارضين لاستبدادها. ولطالما استُخدِم هذا الشعار للتعتيم أيضاً على خواء فكري يهرب من أي استحقاق أو سؤال وجوديّ، فيستنجد بفلسطين وبالظلم الذي سلّطه المحتلّون الإسرائيليون على أهلها ليتمنّع عن الإجابة.

واستمرّ الأمر إياه قائماً، ولَو مع مفردات جديدة، بعد صعود الحركات الإسلامية، وسيطرة بعضها على الفضاء العام والخطاب السياسي الذي تراجعت فيه مكانة القوميين واليساريين وسطوتهم.

لكن ما لم يُنتبه إليه كفاية في الفترة إياها، هو أن الموقف المضاد، أو البديل، للمركزية الفلسطينية، لم يتكوّن على أساس البحث الجديد فيها كمسألة تفرض تحدّيات سياسية وعسكرية وحضارية، من ضمن مسائل وتحديّات كثيرة أُخرى، بل على افتراض أن تجاهلها تماماً أو التصرّف أحياناً وِفقاً لما يناقضها، هو أبرز عناصر التأسيس لفكرٍ "متنوّر"، ولتنظيمِ قوى سياسية "حديثة" تقود الى شكلٍ من أشكال الخلاص الفردي والعام. وبهذا، انطلق من عدّ نفسه مجدِداً أو تغييرياً من مفارقة صارخة، مفادها أنه يريد التفكير والعمل بمعزل عن أخطر قضية تتطلّب التفكير والعمل! ذلك أنها، بمعزل عن توظيفاتها ورقاعة الاستظلال بها، تفرض نفسها في المنطقة والعالم بوصفها مختبراً سياسياً وأمنياً لا يمكن إغفاله وإغفال تداعياته وآثاره، ولو أنه لا يمكن في المقابل الاستسلام لاستعصائه على الحلول وتأجيل ما عداه بحجة الاستعصاء هذا.

المسألة الطائفية في سوريا وشروط التطبيع الاسرائيلي

مثّلت الاشتباكات في السويداء في جبل العرب جنوب سوريا بين ميليشيات بدوية ودرزية، وما تخلّلها وتلاها من خطف وجرائم واعتداءات نفّذت بعضها أجهزة أمنية وعسكرية تابعة أو موالية للنظام الجديد في دمشق، فصلاً جديداً من فصول النزاع الأهلي المستمرّ منذ سقوط بشار الأسد.

والفصل الجديد هذا، إذ يختلف عن ذاك الذي شهد اشتباكات ثم مجازر ضد مواطنين علويين في منطقة الساحل بحُكم انعدام البُعد الثأري المرتبط بالحقبة الأسدية فيه، يشابهه لجهة أسلوب التعامل مع خصوصية جغرافية-طائفية لا تقلّ أهمية وخطورة اليوم في سوريا عن المسألة القومية، أو الخصوصية الكردية الشمال-شرقية التي ما زالت معلّقة.

الممانعة التي حوّلت بعض خصومها الى مرآة لها

لا يُسجّل لما اصطُلِح على تسميته "ممانعة" في بلادنا، أنظمةً كانت أو أجهزةً أو مروّجي خطاب، أي إنجاز حاسمٍ في أي ميدان. لا في المواجهات السياسية ولا في المواجهات العسكرية ولا في مواجهة تحدّيات الاقتصاد والتنمية، ولا في المواجهات الثقافية، حيث تتبدّى أكثر أوجهها رثاثة.

على أن الممانعة هذه إذ تلاشى نظامها العربي في دمشق، وانتهى رئيسه مختبئاً في روسيا بعد أن خلّف مئات آلاف الجثث في بلدٍ ورثه عن والده وأكمل بعد الوالد تحطيمه، وإذ تراجعت قوّة دولتها العظمى إيران وحليفها الأكثر فاعلية حزب الله بعد حروب أساءا تقديرها، تلت نجاحات متقادمة ظنّا أنها كافية بلا مراجعات ولا تغيير مقاربات ولا احترام مصالح مجتمعات، وإذ خمدت معظم الأصوات الصيّاحة التي كانت تهدّد باسمها وتتوعّد، هذه الممانعة إياها، نجحت نجاحاً باهراً في تحويل قسمٍ من خصومها الى أشباه لها، تحديداً في وجهها الأكثر ضحالة، أي الوجه الثقافي أو الخطابي.

Friday, July 18, 2025