Tuesday, December 11, 2012

الإسلاميون والمواجهة الممكنة

لم يُطلق الإسلاميّون (أخواناً وسلفيين) ثورتَي تونس ومصر. لكنّهم التحقوا بِهما، ولو طال أمد الثورتين وتحوّلتا الى الكفاح العنيف لصاروا على الأرجح القوّة الإساسية فيهما، لأسباب عديدة منها التنظيمي ومنها التعبوي والعقائدي. في الوقت نفسه، لم يكن من الصعب لحظة انتصار الثورتين تقدير الموقع الأساسي الذي سيلعبه الإسلاميون، وتحديداً الأخوان، في المرحلة التالية لسقوط الاستبداد في البلدين، وخاصة في مصر. فهُم الأكثر امتلاكاً للموارد المادية والأكثر تماسكاً وانضباطاً، وهُم الطرف الوحيد الذي يدّعي حمل مشروع لم يُجرّب في الحكم (بعد تجربة المشاريع القومية والاشتراكية والليبرالية)، وهم من ضحايا الحقبات السابقة، كما أنهم الأكثر انتشاراً أفقياً في المجتمع من خلال الشبكات والنشاطات الدينية والجمعيات الخيرية التي تدور في فلكهم.

وقد كان العلمانيّون، أو الشباب "المدنيّون" والمدينيّون، ممّن أطلقوا المظاهرات والاعتصامات وعمِلوا على تنسيقها قبل أن تصبح حركات جماهيرية ضخمة أكبر من كل تنسيق أو تأطير، يدركون تماماً أنهم في لحظة "القطف" السياسي، أي في الانتخابات الأولى لمرحلة ما بعد مبارك أو بن علي، لن يكونوا في الطليعة، وأن الأخوان و"النهضة" وبعض التشكيلات المعارضة القديمة إضافة الى من سيتمكّن من نُخب النظامين البائدين من تبييض نفسه والانخراط في اللوائح الائتلافية سينالون أكثرية الأصوات وسيشكّلون مؤسسات الحكم الجديد.

وهذا لم يمنع العلمانيّين والمدنيّين إيّاهم من الاستمرار في الثورة حتى النهاية، ومن اعتبار العودة الى الانتخابات الحرّة (بمعزل عن نتائجها في فترة انتقالية) مكسباً في ذاته لا يتقدّمه أهمّية سوى مكسب تحرير القول والفعل السياسيّين وإنهاء حالات الطوارئ والقمع والرقابة وتحكّم الحزب الواحد وعائلة رئيسه بالبلاد ومعظم مقدّراتها منذ عقود.
فشرط مواجهة مشروع الإسلاميين سياسياً وثقافياً هو عودة الحياة السياسية التي قضمها الاستبداد على مدى عقود. وشرط الفرز في المجتمع بين تيارات ومصالح وأولويات هو استعادة الحرّيات والعلاقة بالشأن العام ومساحاته التي صادرتها الأجهزة الأمنية والمافياوية. أما غير ذلك، أي استمرار الأمور على ما كانت عليه، فلا يعني أكثر من التسليم للسجن والموات وتأجيل الاستحقاقات السياسية جميعها، بما فيها استحقاق المواجهة مع الإسلاميين، وجعل الأخيرين أكثر قوة وتمدّداً بوصفهم الضحية والبديل.


ولعلّ المعركة الدستورية الشعبية في مصر اليوم، وسلسلة المعارك الثقافية والاجتماعية والنقابية في تونس، تُظهر بعد عامين فقط على سقوط الاستبداد عمق التحوّل في الحياة السياسية وجدارة القول في انهيار جدران الخوف وفي العودة الى الزمان وفي استحالة بناء حكم شمولي جديد، ولو استظلّ بالدين. وبمعزل عن النتائج المباشرة للمعارك هذه في المدى القصير (طالما ظلّت منخفضة العنف)، فقد بدأ يتّضح للإخوان المسلمين أن كل محاولة لتحويل التفويض الانتخابي المحدّد الوظائف الذي ربحوه الى سلطة مطلقة محكومة بالفشل، وأن القدرة على دفع مئات الألوف الى الشارع لم تعد حكراً عليهم، وأن وعود الآخرة ليست كافيةً لتبرير الاستئثار أو للترهيب والتخويف.

وهذا كلّه يُفترض أن يكون درساً أو تمريناً لسوريا، المقبلة بدورها على إسقاط الاستبداد، ولَو في ظروف أشدّ تعقيداً وفي ظلّ دمار مخيف وفي ظلّ دور كبير للإسلاميين في الكفاح المسلّح التحريري، بعد أن كان للعلمانيّين و"المدنيّين" الفضل والدور الكبيرين في إطلاق الثورة وفي الكفاح السلمي الذي وسمها في أشهرها الأولى (والذي لم يتوقّف بعد 21 شهراً، رغم تراجعه).
ثمة مسارات كثيرة شاقة تنتظر إذن... لكنها بمجملها لن تكون أكثر شقاء ولا أطول أمداً من مسار طيّ صفحة "الدولة البربرية". تلك التي تحكم منذ 42 عاماً.
زياد ماجد