منذ
أكثر من سبع مئة وثلاثين يوماً تجتاح كثراً من متابعي الشأن السوري، وأنا منهم، مشاعرٌ
وانطباعات وأفكار لم يسبق أن اكتشفوا كثافة بمثل كثافتها طيلة سنوات حياتهم:
من الدهشة المتجدّدة وكأنها تصيبهم كلّ يوم لأول مرة عند رؤيتهم صورة أو شعاراً أو
قراءتهم مقالة أو نصّاً "قادماً" من داخل سوريا الثائرة، الى الدموع التي
تتسلّل من عيونهم عند اطّلاعهم على شهادة عن معاناة أحياء أو عذابات راحلين، الى الضحكات
التي ينتزعها منهم تعليق ينكّل بمستبدّ تحوّل غباؤه مجال تندّر لا تقلّل من خفّته أثقال
جرائمه، وصولاً الى الذهول من مشاهد تظهّر مقدرة بشر على التنصّل من كل علاقة بما تخلّفه
الإنسانية في نفوسهم، واستمرار البعض متواطئاً معهم أو صامتاً عن مجازرهم.
هكذا،
تبعث أخبار سوريا وثورة شعبها فيضاً من المشاعر المتناقضة والمتآخية، وتبعث ما
يُحيل يومياً على تجديد الأمل. الأمل بانتصار الثورة، والأمل بلقاء أصدقاء سبقت
صداقتهم القيامةَ وواكبتها، أو وُلدت خلالها، والأمل بزيارة أماكن خلّدتها مشاركات
أبنائها وبناتها في تحطيم جدران الخوف وفي استعادة القول والفعل
السياسيَّين.
وهكذا
أيضاً يتابع واحدنا الأخبار والتحرّر التدريجي لبلاد بهيّة رغم المآسي، متخيّلاً
شكلها واحتفاليّاتها لحظة تهاوي الاستبداد واندحاره الأخير...
تقبع
سوريا اليوم، بعد اكتمال عامين من ثورتها، على مسافة زمنية من تحطيم الطغيان بجسده
المادي، بعد تحطيم رمزيّته وسطوته المعنوية. والقبوع على مسافة زمنية من إنجاز
مهمّة يعني العودة الى الوقت المصادر منذ 43 عاماً، ويعني سقوط الأبد الأسدي مرة،
والى الأبد. ويعني كذلك استئناف الحياة، وانتزاع الحرّية التي لا يستحقّها اليوم
أحد أكثر من السوريين والسوريات.
فلهم
في عيد ميلادهم الثاني كل الشكر لأنَهم في اكتشافهم لذواتهم ولإراداتهم وفي
مقارعتهم أفظع همجية أتاحوا لنا أن نعثر معهم وبهم على بعض من عواطفنا وبعض من
أوهامنا وبعضٍ من توقنا للعيش مثلهم يوماً ما بهدوء وبلا ظروف
"إستثنائية"...
زياد ماجد
عدد
خاص من "بصمة حلب" في الذكرى الثانية للثورة
يمكن تحميل العدد كاملاً عبر النقر هنا