حين اندلعت الثورة السورية في
مثل هذه الأيام من العام 2011، كنت شديد القلق من ألّا تستمر وألّا تتمكّن من
تخطّي شهرها الأول. لم يبدّد قلقي ما قرأته لأصدقائي وصديقاتي السوريين ولا ما
سمعته منهم. فجميعهم معارضون ومنفيّون وسجناء سابقون لم يلينوا ولم يغيّروا مرّة
موقفهم تجاه نظام الأسدين الأول والثاني. وكنت أخشى أن تبقى الثورة يتيمة سورياً
إلا من دعمهم واحتضانهم، معزولةً في مناطق ريفية همّشها التحوّل الاقتصادي في عهد
الأسد الثاني وزادها فقراً. وكنت بالطبع أخشى أن تطحن آلة الهمجية الأسدية عظام
الثائرين الأوائل لتظهر أنها لن تتراخى كآلَتي القمع المصرية والتونسية المنكفئتين
أمام الحشود في الساحات...
ثم أخذت الثورة تنتشر. وصرت مع
انتشارها أكتشف الجغرافيا السورية، فيتراجع خوفي ويتقهقر كلّ ما انطلقت المظاهرات
في بلدة أو مدينة جديدة.
وحدث أن شاهدت في أواخر نيسان شريط
فيديو لمجموعة أبو نضارة اسمه "النهاية"، قوامه مشهد إسدال ستارة علىجدارية للأسد الأب مترافقاً مع ترتيل فيروزي وتتابع أسماء – كما في نهاية الأفلام –لأبطال العرض المفترض. والتدقيق في الأسماء يظهر أن جلّهم من أبناء درعا مهد
الثورة، وأنهم كانوا طليعة شهدائها. فتملّكتني ثقة غريبة وأحسست أن في فكرة الوفاء
لشهداء الهبّة الأولى كما في ترداد حِدائهم في المظاهرات (على ما كان يظهر في
لقطات اليوتيوب) "من حوران هلّت البشاير" ما يؤكّد أن النظام فشل رغم
مجازره في استعادة "هيبته" المترنّحة، التي سبق وسجنت الناس أربعين
عاماً.
ثم حدث أيضاً أن وقعت، في
الفترة عينها تقريباً، على أغنية لفرقة "الدب السوري" عنوانها "يُملّ"،
ظلّت صور الكاريكاتور المرافقة لكلماتها المدهشة وعبارات الإهداء في آخرها محفورة
في ذهني لتوجّهها بدورها الى القلّة التي أطلقت شرارة القيامة السورية، والتي ساد لفترة
تصنيفها طبقياً وثقافياً في محاولة لعزلها وتحقيرها: "الى شهدائنا الأبطال
وثوّارنا الأحرار، أنتم شرف كل سوريّ".
توالت الأشهر بعد ذلك، ولم يعد
استمرار الثورة وتصلّبها مفاجئاً في وجه نظام لم يشهد تاريخنا المعاصر ما يشبهه
عنفاً وفساداً. لكن ما لم يختفِ مرّة، وحتى اليوم، هو الدهشة. ذلك الشعور الذي
ظلّت تثيره إبداعات السوريين والسوريات الفنية والسياسية المرافقة لشجاعتهم
الأسطورية في ميدان المواجهة السلمية ثم المسلّحة مع الدبّابات والطائرات والصواريخ.
... واليوم، بعد عامين على
اندلاع الثورة، ومع اقترابها خطوة إضافية من النصر وانتزاع الحرّية، لا يسعني إلا
أن أتخيّل طول قائمة الأسماء التي سنقرأها في مشهد "النهاية"، حين سيطوي
الشعب السوري صفحة هذا النظام القاتل. ولا يسعني كذلك إلا أن أردّد تحيّةً، ضاماً
نفسي الى نون الجماعة فيها: "تحية الى شهدائنا الأبطال وثوّارنا الأحرار،
أنتم شرف كل سوري، وأكثر"...
زياد ماجد
مساهمة في جريدة "زيتون" الصادرة عن شباب إدلب وريفها
يمكن قراءة عدد الجريدة كاملاً عبر النقر هنا