Monday, August 16, 2021

عن الهوّة السحيقة بين المجتمع والدولة في لبنان

يكثر التساؤل كلّ فترةٍ في لبنان عن الأسباب التي تُتيح لمسؤولين سياسيّين استثنائيّي الرداءة والفساد البقاء في السلطة والتجديد لحُكمهم ولإدارتهم شؤونَ الدولة، في وقت يملك المجتمع مقداراً استثنائياً من الكفاءة والدينامية الثقافية والسياسية. ويصحّ التساؤل نفسه في أكثر البلدان العربية بالطبع، غير أنه في لبنان يملك فائض مقوّماتٍ بالنظر الى خصائص الديموغرافيا وانتشارها ومستوى التعليم وتاريخ الحريّات العامة والخاصة وقِدم الانفتاح على العالم. 

على أن هذا التساؤل الوجيه الذي يمكن لاحقاً تفصيل الإجابة عنه يُسقط من حسابه ما لا يقلّ أهميةً أحياناً من عناصر الإجابة ذاتها. ذلك أن حسبان الهوّة لا يأخذ بالاعتبار أن المجتمع اللبناني تكيّف لفترة طويلة مع ضعف حضور الدولة في يوميّاته، وأوجد آليات تسيير لأموره لم يكن يُعتدّ بمؤسسات الدولة لضمان استمرارها، مما جعل شرائح واسعة منه قليلة الاكتراث بالمسؤولين السياسيين وبمشاريعهم وأدائهم و"دولتهم". كما أن لفئاتٍ لبنانية موسومة بالنجاح والقدرة على الابتكار والتنظيم موقفاً شديد السلبية من السياسة ومن الفعل السياسي، وجد ما يعزّز مبرّراته في مرحلة ما بعد الحرب و"نُخبها" الميليشياوية المرتبطة بالهيمنة السورية، فاكتفى بالنشاطية الاقتصادية أو الثقافية المستقلّة عن الشأن السياسي العام، وخلق مساحات بدت عوالم موازية غير آبهةٍ بعالم السياسة والدولة ورقاعة المسؤولين.

Sunday, August 1, 2021

التوافقية التي حكمت لبنان إذ أصبحت تعطيلاً لحُكمه

عرفت "التوافقية" المعتمَدة كفلسفة حكمٍ في النظام اللبناني منذ استقلال كيانه خمس حقبات.

الحقبة الأولى، بين العامين 1943 و1957، شهدت تفاهمات وتسويات دورية بين نخب سياسية قوامُ معظمها وُجهاء أريافٍ ومدن ورجال حقوق وتجارة ومصارف في مناخ ليبرالي سياسياً واقتصادياً. واستفاد لبنان خلالها من تحوّلِ أنشطة مرفأ حيفا بعد النكبة الى مرفأ بيروت، كما استفاد من الانقلابات العسكرية في البلدان العربية المحيطة به ومن عمليات التأميم التي تبعتها والتي دفعت ببعض أموال البرجوازيّات العربية الى مصارفه، وازدهرت فيه السياحة والأعمال. لكن ذلك أدّى في المقابل الى اتّساع الهوّة الاقتصادية-الاجتماعية بين اللبنانيين وتركّز الثروات في بيروت والجبل، وتوسّع قطاع الخدمات تدريجياً على حساب غيره من القطاعات المنتجة. وفي هذا ما أسّس لسلسلة اختلالات ستتحوّل لاحقاً الى مباعث تنازع وتوتّر دوريّين.