Sunday, March 17, 2019

مدرّجات كرة القدم: معابد "الآلتراس" ومواقع التعبئة السياسية

لطالما كان لمدرّجات ملاعب كرة القدم دورٌ في بناء عصبيّاتٍ بين مجموعات تنام وتصحو منتظرةً التئام شملها لمواكبة فريقها، فتعيش معه كل أسبوع لحظات الحماس والحسرة والغضب والفرح أو الكآبة، وتهتف وتغنّي وتُطرب وتنتفض أجساد أعضائها وكأنها جسد واحد عملاق متناسقةٌ حركاته ومتكاملة. 
ولطالما أتاحت المدرجّات إياها صداقات وتحالفات وعداوات ونقاشات صاخبة ينطق فيها الفرد بلسانه، ثم يحيل رأيه ومشاعره على الدوام الى جماعته، يُفتي باسمها ويُعمل تقييماً في كل شاردة وواردة، فيسأم ويشتم ويتفاخر ويتصدّى لما لا يعجبه من قرارات مدرّبين وأجهزة فنّية مُسدياً عن بُعدٍ النصح لهم أو مستنكراً خياراتهم إن لم تُسفر نتائج مُبهجة. وغالباً ما لا يتّفق الفرد هذا في نُصحه واستنكاره مع كثرٍ من أقرانِه، فلا يلتمّون إلا على التعصّب للجماعة المشتركة ولتقذيع الخصوم ولعن طرف يعتبرون صفّاراته مُجحفةً في أدقّ اللحظات: حكّام المباريات، وهم التجسيد الظرفي للسلطة. السلطة المُهابة، والسلطة المكروهة، والسلطة المشكوك سلفاً بنزاهتها، أو السلطة المفترض بدايةً ممالقتها تجنّباً لِجورها (وبطاقاتها الصفراء والحمراء)، ثم التصعيد تدريجياً ضدّها لتحذيرها من التمادي في الظلم في انتظار احتمالات انكسار الجرّة نهائياً معها والتفرّغ لحظتها لتقريعها. 

Sunday, March 3, 2019

الجزائر بعد السودان: آن للمهانة أن تنتهي

تختلف ظروف انتفاضتي الشعبين الجزائري والسوداني، تماماً كما اختلفت ظروف الثورات التونسية والمصرية والليبية والسورية واليمنية والبحرينية العام 2011 واختلفت معها مسالكها ومآلاتها.
لكن الاختلافات هذه لا تُلغي المشترك الأبرز: رفضُ سيادةِ المهانة والابتزاز.
ولعلّ ما يجدر التوقّف عنده اليوم هو هذا المشترك بالذات. فبعد ترنّح الثورات العربية أمام الثورات المضادة والتدخّلات الأجنبية وعنف الأنظمة الهمجي، مع استثناء تونسي وحيد، بدا أن مسألة التحوّل الديمقراطي الشائكة قد تلاشت في العالم العربي ومعها الدعوات إليها، وصار التخويف بالنموذج السوري تارة أو بالنموذجين الليبي واليمني تارة أُخرى الابتزاز الأكثر رواجاً للأنظمة القائمة، ما أن تواجهها احتجاجات شعبية أو مطالبات بإصلاح أو ببعض عدالة. كما أن المناخ الدولي مال أكثر من أي وقت مضى الى إيثار الاستقرار على أي تغيير خوفاً من قضايا النزوح واللجوء واضطراب الحدود. وشكّل صعود أنظمة وتيّارات ومسؤولين في العالم غير معنيّين بالديمقراطية وحقوق الإنسان (إن لم نقل معادين لها) وإمساك بعضهم بمقاليد الحكم في بلادهم رافداً لفكرة "الاستقرار" عربياً ولَو فرضاً بالسجن والإعدامات، على ما يجري في مصر السيسي، أو غضاً للنظر عن ممارسات وجرائم ضد متظاهرين وناشطين وصحافيين، كما في السعودية والبحرين وغيرهما.