رحل قبل أيام عن دنيانا العلاّمة السيّد محمد حسن الأمين، قاضي الشرع الجعفري، الأديب والشاعر والمثقّف، الذي جسّدت سيرته سيرة كفاح فكريّ واجتماعي وسياسي لبناني وعربيّ امتدّ على مدى نصف قرن.
فمن النجف في العراق حيث أقام شاباً وحصّل علومه الدينية واللغوية، الى لبنان حيث واكب بعد عودته الغليان السياسي في الجنوب وفي بيروت عشية الحرب الاهلية وانحاز الى الإصلاح والتغيير وإحقاق العدالة الاجتماعية وناصر العمل الفدائي الفلسطيني ثم المقاومة الوطنية بعد الاجتياح الاسرائيلي، برز السيد الأمين كرجل دين مُعمّم منخرط في قضايا مجتمعه، فاعلٍ فيها، لا غبارَ على مواقفه ولا تردُّد في اتّخاذها مهما كانت الأثمان والصعاب. ولا شكّ أن تمسّكه باستقلاليّته ونبذه الهوان وضعاه في مواجهة الأمر الواقع الذي تكرّس خلال الحرب وبعدها، فكان لتصريحاته ومحاضراته وإطلالاته على الشأن العام وقعها الخاص بما حفظ له فضاءً من الرحابة والمصداقية ومن القدرة على الإقدام، إن في المسائل الفكرية والحقوقية التي نادى فيها بتحرير العقل وبالمساواة وفصل الدين عن الدولة وتخطّي الطائفية، أو في المسائل السياسية الكبرى التي لم يتوانَ فيها عن رفض الهيمنة والتسلّط الميليشياوي والزبائني ومعهما الخيارات المالية والاقتصادية المفضية الى تعميق الاختلالات الاجتماعية في البلد. ولم يتوانَ السيّد كذلك عن تأييد "انتفاضة الاستقلال" في بيروت العام 2005 ضد الاغتيالات والحكم المخابراتي السوري والمستظلّين به وبسطوة العنف والسلاح.