Saturday, February 24, 2024

"سيلفي" الخراب العظيم

ثمة فظاعة في هذه الصورة. التقطَها المصوّر تسفرير آبايوف في 19 شباط/فبراير 2024 لمجموعةٍ من الجنديّات الاسرائيليات لحظة أخذهنّ "سيلفي" أمام حطامٍ رهيب لحيّ سكني سُحقت مبانيه في قطاع غزة.

لم يُشر المصوّر على صفحته في إنستغرام الى موضع التصوير الدقيق. لكننا نفهم من تعريفه البارد والبليد بهذه الصورة الاستثنائية العنف أنها من شمال القطاع. وَضع الكثير من الـ"هاشتاغ" تحتها، مستخدماً مصطلحات حربية إسرائيلية، وأشار الى الهوية "الجندرية" للعناصر العسكرية، وحدّد بالطبع نوعية كاميراه وحجم عدستها ومستوى حساسيتها. 

قد يكون عدم الإشارة الى المكان، في هذه الصورة وفي سلسلة صورٍ لا تقلّ بشاعةً تبعتها ضمن ألبوم المصوّر ذاته، مرتبطاً بأوامر الرقابة العسكرية الإسرائيلية. وقد يكون مجرّد سهوٍ أو عدم اكتراث منه. أو قد يكون مردّ ذلك ببساطةٍ أن قطاع غزة بأكمله مدمّر (أو شِبه مدمّر)، والتصوير والـ"سلفي" أمام أي ركامٍ داخل مدنه ومخيّماته يحمل الدلالة والمعنى إياه: نتصوّر ونبتسم للعدسة ونُبيّن ما جعلناه أشلاء أمكنةٍ، ومساكن أشباحِ من اختفوا قتلاً أو تهجيراً.

Monday, February 12, 2024

في وداع رياض الترك، صانع الأمل وصائنه

السيّدات والسادة، الرفيقات والرفاق

العزيزتان خزامى ونسرين 

ما الذي يجمعُنا اليومَ، سوريّين وفِلسطينيين ولبنانيين وفرنسيّين، لتكريم رجلٍ تسعينيّ غادرنا قبل أربعين يوماً؟

هل هو احترامُنا لسيرته ولكفاحه على مدى عقود من أجل الحرّية التي رفضَ كلّ تنازلٍ عنها أو تسويةً على حقّه في انتزاعها؟

هل هي الصلابة الاستثنائية التي وسمت حياته داخل السجون وخارجها في مراحلَ واجه فيها التعذيب والقتل والاستبداد بلحمِه الحي؟

هل هو حبّنا المشترك لبلادنا المنكوبة التي لم يعرفِ التاريخُ إلا نادراً هذا المقدارَ من القسوة المسلّطةِ على ناسها، في حمص وداريا ودرعا وحلب، كما في غزة وخان يونس ورفح وجنين وبيروت وصنعاء وبغداد؟

هل هو الأملُ الذي ظلّ يذودُ "ابن العم" عنه ويقولُ به ويعدُ بلسانه بأن سوريا لن تبقى مملكةً للصمت؟

أم هو جانب الهشاشة الإنسانية رغم الإرادة الفولاذية الذي جعل منه مرآة لكثرٍ من آبائنا، ننظر عبره إليهم فنرى قوّتهم وتردّدهم وحنانهم وخشونتهم وانحناءهم الأخير تحت ثقل السنوات وما حملت من تجارب وأهوال؟ 

أظنّنا نجتمع هنا لكل هذه الأسباب. وأظنّنا هنا أيضاً لأنه ترك أثراً في كل واحد منّا، بمعزل عن مدى قربنا الشخصي منه.

Sunday, February 11, 2024

مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرّف لغزّة

دخلت حرب الإبادة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة شهرها الخامس، ولا مقترحات واضحة بعد عند أي من الأطراف الإقليمية والدولية لِسبل وقفها والتعامل السياسي مع المرحلة التي ستليها.

ورغم بعض الأفكار التي بدأ الأمريكيون بتسريبها حول خطواتهم الممكنة في الأشهر المقبلة، فإن لا شيء يُظهر حتى الآن قابليّة أفكارهم للتطبيق. فالأخيرة قوامُها اعترافٌ قريب بالدولة الفلسطينية من دون توقّف عند حدودها، بما يعني جعل الاعتراف المسبق مقدّمةً لمسار تفاوضي جديد في المنطقة ثم ترك هذا المسار يخوض في "التفاصيل" الميدانية وفي شكل الدولة وتُرابيّتها ونهائيتها السياسية، على ما نُقِل عن أنطوني بلينكن. وهذا ترفضه إسرائيل، في ما تدعمه السعودية ومصر والأردن، ويُرجّح أن تتبنّاه بريطانيا ومعظم الدول الأوروبية. بموازاة ذلك، تبحث أمريكا في شكل إدارة مرحلةٍ انتقالية في غزة تعقب الانسحاب العسكري الإسرائيلي "التدريجي" وتُتيح للسلطة الفلسطينية، بعد توسيع هياكلها بمساعدة عربية، أن تلعب دوراً أساسياً فيه، بما يحفّز دولاً وهيئات مانحة على البدء بتمويل "إعادة إعمارٍ" للقطاع المنكوب.

Friday, February 2, 2024

نحن وجرح غزّة والعالم

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الخامسة على قطاع غزة، يعيش الكثير من الأكاديميين والحقوقيين والصحافيين والعاملين في منظمّات مجتمع مدني أو منظمات إنسانية دولية، في الغرب، المتابعين منذ عقود لمجريات الصراع في فلسطين المحتلة وللتحوّلات الحاصلة في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، كابوساً تتوالى فصوله يومياً. 

ذلك أن ضراوة الحرب الإسرائيلية في شهرها الرابع، غير المسبوقة لجهة تسخير أحدث تكنولوجيا لتعميم أوسع دمار عمراني وخسائر بشرية ممكنة، ولجهة حجم المعاناة الإنسانية في فترة زمنية "قصيرة" وفي رقعة جغرافية صغيرة لم يشهد العالم له مثيلاً منذ عقود، تترافق مع تغطية إعلامية تلفزيونية غربية، لا تشذّ عنها سوى قلّة من المحطّات، غالباً ما تُغيّب الحقائق الميدانية وتنزع الأنسنة عن الفلسطينيين. يتجلّى الأمر في اختيار الصور أو في التعليقات عليها أو في اعتماد المصطلحات غير العلمية لتوصيف الأوضاع أو في استضافة أشخاص غير اختصاصيين يكرّرون مقولات خاطئة أو في السماح للناطقين باسم الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في البرامج الحوارية وعدم مساءلتهم الجدّية، إلا نادراً، حول الفظائع التي يرتكبها جيشهم. ويكمّل هذه التغطية غير المهنية وغير الأخلاقية، خطاب يعتمده أحياناً عنصريون من بين الضيوف، يشكّكون بكل غرور وجهل بحجم الخسائر البشرية الفلسطينية المُعلنة، أو يكرّرون أن على إسرائيل "الدفاع بقوّة" عن نفسها وسط محيطٍ (عربي) معادٍ لها. وطبعاً لا يفقه أصحاب الخطاب المذكور شيئاً بالقانون الدولي الإنساني، ولا بالسياق التاريخي المُفضي الى الحرب الدائرة.