Sunday, June 30, 2019

في تكامل معركتَي التحرّر من الاحتلال ومن الاستبداد

دخلت فلسطين والعالم العربي في العامين 2011 و2012 مرحلةً جديدة. فقضية الأولى عرفت تقدّماً سياسياً وديبلوماسياً دولياً بلغ أوجه عند صدور الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية ثم انضمام الأخيرة الى عدد من المنظمات الدولية وفي طليعتها اليونيسكو. والثاني شهد ثورات في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا بعثت أملاً بالتغيير وتحرير المجتمعات والأفراد من عقودٍ من الاستبداد والقهر. لكن التراجع ثم الانحدار جاءا سريعاً في الحالين بعد ذلك. ففي فلسطين، تصاعدت شراسة إسرائيل الميدانية وتعمّقت الانقسامات الداخلية الفلسطينية وعجزت قيادة السلطة ومثلها حماس عن إطلاق مبادرات مصالحة أو ديناميات سياسية تلجم تدهور الأوضاع وتقلّص رقعة أضرارها. وشنّت إسرائيل حرباً تدميرية على قطاع غزة العام 2014، كرّست خلالها عزلة القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية المحاصرة بدورها والمقطّعة أوصالها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والجدار والحواجز العسكرية. وفي العالم العربي (مع استثناء تونسي)، أدّت الثورات المضادة وتعثّر التجارب الانتقالية والتمزّقات المجتمعية، وضراوة القمع والمذابح والتهجير والتدخلات العسكرية الايرانية والروسية في سوريا، والسعودية والايرانية في البحرين واليمن، وصعود "داعش" واحتلاله مناطق واسعة في العراق وسوريا ثم التدخّل الأميركي ضدّه، الى مآسي وخراب أطاحت ابتداءً من العام 2013 باحتمالات التغيير والتحرّر.

Sunday, June 23, 2019

عن الاسلاميين والعسكر ومقولة وجهَي العملة الواحدة


ارتفعت بُعيد وفاة الرئيس المصري المُعتقل محمد مرسي، نتيجة ظروف حبسه منذ الانقلاب عليه من قبل الجنرال عبد الفتاح السيسي، أصواتٌ يسارية وليبرالية عربية تقارب الأمر بحياد. حجّة الأصوات المذكورة أن لا فارق بين الإسلاميين والعسكر، وأن الطرفين "وجهان لعُملة واحدة"، وأنهما يتساويان عداءً للديمقراطية، ولا حاجة بالتالي لموقف قد يبدو تأييداً لواحدهما. 
على أن الحجّة هذه، خاصة إذ تُعلَن لحظة وفاة رئيسٍ مُنتخب في أول انتخابات حرّة في تاريخ مصر، ومُعتقل منذ ست سنوات في سجون العسكر المنقلِب عليه، تثير الكثير من الأسئلة عن ثقافة الديمقراطية ذاتها وعن فلسفة حقوق الانسان ومفهوم العدالة لدى مُعتنقيها.

Monday, June 10, 2019

عبد الباسط الساروت، أو سيرة ثورة مغدورة


قد يكون عبد الباسط الساروت الرجل الأكثر تجسيداً لمسار الثورة السورية في بهائها وارتجاليّتها وفي هنّاتها وتعرّجاتها، وصولاً الى نهاياتها التراجيدية.

فحارس مرمى نادي الكرامة الحمصي ومنتخب سوريا للشباب، المولود العام 1992 في حي البياضة الذي تقطنه غالبية من الوافدين الى حمص من ريفها، ويعيش فيه كما في بابا عمرو "بدوٌ" كانوا يوماً رحّلاً قبل أن يستقرّوا في ثالث مدن سوريا حجماً، اقتحم الثورة السورية بشعبيّته وبصوته ذي البحّة الشجيّة، ليقود المظاهرات ويحلّق كنسر فوق أكتاف محبّيه ممّن كانوا يصفّقون ويهتفون لصدّه الكرات، فصاروا يهتفون له ومعه من أجل الحرّية والعدالة وإسقاط النظام. عاش سلميّة الثورة في الساحات وقاد الجموع وشكّل لفترة ثنائياً أخّاذاً مع الفنانة الراحلة فدوى سليمان، العلوية المنبت والعلمانية المسلك، بما عناه الأمر يومها من رمزية أُريدَ لها كما لبعض الأهازيج والكتابات على الجدران مكافحة الطائفية والدفاع عن الوحدة الوطنية المُتخيّلة. وينبغي القول هنا، المُتخيّلة بصدق وإخلاص أو ربما باشتهاء وخشية اكتشاف فقدانٍ فظيع.

Sunday, June 9, 2019

السودان كاستثناء في تحالفات الثورات المضادة

ثبّتت أنظمة الاستبداد العربي على مدى عقود ماضية مقولة أن بديلها الوحيد إن خفّفت وطأة عسكرها وأجهزتها على المجتمعات وسمحت بانتخابات حرّة هو الحركات الإسلامية. استخدمت المقولة هذه في الداخل، تخويفاً لأقلّيات دينية أو لهيئات مجتمع مدني ثقافية وحقوقية، واستخدمتها في الخارج، حيث استثارة الدعم والبحث عن المشروعية والحماية الفعلية تتطلّب التهديد ببديل "خطير" إن ترافق أي دعم مع طلب إصلاح أو توسيع لهوامش المشاركة السياسية.
وعمدت الأنظمة إياها على مدى عقود أيضاً الى ضرب كل تيار سياسي يرفض الابتزاز المذكور ويحاول بناء ذاته خارج معادلة العسكر والمخابرات من ناحية والإسلاميين من ناحية ثانية، أو يحاول التواصل مع بعض الأخيرين وتوسيع التحالفات المعارضة والسعي الى التفاهم معهم على قواسم سياسية مشتركة.