يمكن القول إن حزب الله مرّ الى اليوم بستة مراحل:
مرحلة التأسيس بين العامين 1982 و1985؛ مرحلة الصراع الدموي مع حركة أمل على التمثيل
الشيعي بين عامي 1986 و1991؛ مرحلة القبول باتفاق الطائف وبدء الانخراط المرِن في
الحياة السياسية اللبنانية بموازاة "تخصّص" بمقاومة إسرائيل عسكرياً بين
العامين 1992 و2000؛ مرحلة الاصطفاف السياسي الداخلي ارتباطاً بهيمنة النظام
السوري ومواجهة معارضيه بين العامين 2001 و2005؛ ومرحلة السعي الى بسط الوصاية على
لبنان في الأمن وفي السياسة الخارجية بين العامين 2006 و2010؛ ثم مرحلة الارتباك
الشديد المستمرّ منذ ال2011 تجاه التحوّلات في سوريا نتيجة الثورة.
وقد استفاد الحزب خلال المراحل هذه (وما زال) من
دعم مادي وعسكري إيراني كبير. كما استفاد بين العامين 1992 و2005 من غطاء سياسي أمّنه
تفاهم طهران – دمشق على إدارة "الملفّ الشيعي" في لبنان.
وشهدت علاقة حزب الله بالداخل اللبناني خلال
المراحل المذكورة أكثر من تبدّل. فبعد أن كانت قاعدة شيعية ضيقة تُواليه في
المرحلتين الأولى والثانية، صارت القاعدة أكثر اتّساعاً في المرحلة الثالثة، وازدادت
توسّعاً في المرحلتين الرابعة والخامسة، ولم تتراجع على الأرجح في المرحلة السادسة
المستمرة. في المقابل، كان الحذر منه سمة لدى سائر القوى الطوائفية في مرحلتيه
الأولَيين، ثم زال الحذر الى حدّ بعيد في المرحلة الثالثة، ليعود ويسود في المرحلة
الرابعة. أما منذ بدء المرحلة الخامسة، فقد حلّ الخوف محلّ الحذر وصار الحزب مصدر تهديد بالنسبة
للبعض، فيما صار محلّ استقواء بالنسبة للبعض الآخر يتّكئون إلى قوّته العسكرية لابتزاز
الخصوم.
على أن ما يجري داخل حزب الله منذ أشهر ينذر بتغيّر
كبير سيصيبه ويصيب أدواره السياسية وعلاقاته الداخلية (اللبنانية) كما الخارجية
التي عرفناها الى الآن. فانخراطه المتصاعد في القتال في سوريا، بعد تردّد سابق،
بدأ يتّخذ أبعاداً شديدة الخطورة إثر اتّضاح المهام التي يؤدّيها منذ أشهر في
تنظيم ميليشيات مذهبية تقاتل في مناطق محدّدة في منطقة القصير أو "تدافع"
عن "مرقد السيدة زينب" في دمشق حيث تُطلِق اسم "أبو الفضل
العباس" على وحداتها، مستعيرة من القرن السابع مصطلحات وأدبيّات ومتعهّدة في
بياناتها بمنع تكرار كربلاء!
والانخراط القتالي هذا داخل الأراضي السورية إن
قرّرت طهران تكثيفه يعني تكريس حزب الله في مرحلته المقبلة قوة عسكرية مذهبية "جهادية"
بحتة، لا قيادة سياسية لها تقيس مصلحتها الحزبية أو مصلحة جمهورها اللبناني في خوض
حرب ضروس دفاعاً عن بشار الأسد، وعلى أساس "تبرير كربلائي"...
وإذا كان سؤال المسؤولين في الحزب عن مدى تقديرهم
لمؤدّيات الأمر مستقبلاً لا يجدي، فمن الضروري سؤال قاعدة حزبهم العريضة التي
استنفرتها السياسة في السنوات الماضية في لبنان وعبّأتها لأسباب اعتبرتها دفاعية: هل
ترى في إرسال أبنائها للقتل والموت داخل الأراضي السورية مهمة ترتبط بحقّها في
العيش الكريم أو بمشروعيّة تمثيلها في مؤسسات الدولة اللبنانية؟ وهل تشعر فعلاً
بمآلات عاشورائية تتهدّها في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية؟
ما يجري خطير جداً، ومن يعمل على استدعاء القرن
السابع قد يجده في أحضانه قريباً...
زياد ماجد