تُعيد تسمية تمّام سلام رئيساً
للحكومة اللبنانية الى النقاش السياسي موضوعَين، مؤقّتاً على الأقل.
الأول مرتبط بالديمقراطية
التوافقية التي يُفترض أنها فلسفة النظام السياسي في لبنان منذ دستور العام 1926.
والثاني، الوثيق الصلة بالأول، مرتبط بالنخب السياسية وخصائصها وأدوارها في تجنّب
النزاعات أو إدارتها وحلّها. فسلام معتدل، ميّال للتوافق وللسياسة بوصفها مجال
تسويات وليس مواجهات، وهو وريث عائلة انخرط أفراد منها في قضايا الشأن العام منذ عقود
كأعيانٍ مدينيّين – Notables – أو "زعماء"، يعتمدون
المصالح والخدمات صلةً بقواعدهم الانتخابية في ظلّ دولة يتوافقون مع نظرائهم (من
أعيانها) على صون استقرارها والحيلولة دون تعديل شروط التعاقد فيها.
بهذا المعنى، يمكن النظر الى
تمّام سلام اليوم بوصفه واحداً من قلّة ليس من أوجه انخراطها السياسي ما يستتبع
صداميّة مع مختلفين أو منافسين، ولا من ملابسات تولّيها المسؤوليات ما يوحي بصدفة
أو بجدّة منقطعة عن ماضٍ وعن تجارب عديدة (بإيجابياتها وسلبيّاتها). هو بذلك يشبه
المسؤولين السياسيين الذين تعاقبوا على مراكز السلطة بين الاستقلال والعام 1969،
قبل أن تضعفهم التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية ثم تهمّشهم القوى الكفاحية
الصاعدة وتقود المجتمع بعيداً عن معظمهم. ولنتذكّر أن البلد لم يعان ضائقة حرّيات
وقت هؤلاء، ولا نقصاً في التعدّد السياسي أو استسهالاً للسير نحو الصراعات والقطيعة
مع الخصوم. وفي ذلك ما مكّن الديمقراطية التوافقية من استيعاب الكثير من التوتّرات،
الى أن صار جمودها والتمنّع عن القبول بإصلاحات تقلّص الاختلالات المتزايدة فيها،
معطوفين على القضايا الخارجية الكبرى، سبباً لاحتقانات نعرف كيف تطوّرت عشيّة
العام 1975 فانفجرت حرباً متتابعة الفصول، وصعدت خلال سنواتها قوى ونخب جديدة أبعد
ما تكون في ثقافتها وممارساتها عن التوافقية والانجذاب الدائم الى التسويات.
تمّام سلام يأتي إذن بوصفه من
المنتمين الى مرحلة ما قبل ال1969. يأتي كمعتدل معنيّ بالاستقرار في ظلّ سطوة قوىً
ونخبٍ حربية، وفي مرحلة اتّجهت فيها الطوائف الكبرى نحو التكتّل وأحاديّة أو شبه
أحادية التمثيل. يأتي ليبدو رئيساً من زمن آخر لحكومة يسمّي معظم وزرائها مسؤولون
سياسيون لا يشبهونه في الكثير من الأمور. ويأتي في ظلّ ظرفين لبناني وسوري-إقليمي
لا يسمحان باستدامة التهدئة التي سيسعى إليها.
هو توافقيّ من دون توافقيّين
إذن. ومن المرجّح أن يكون حضوره محاولة أخيرة لتجميد الوضع المحلّي بانتظار
المآلات الإقليمية، ولعبور المتبقّي من الوقت قبل إجراء انتخابات تشريعية تحاول أن
تنقل (لفترة) التنافس من الجبهات السياسية والأمنية المفتوحة - أو المحتمل فتحها -
الى الصناديق والحملات الإعلانية.
لا بأس بالمحاولة. فأوضاع لبنان
المأساوية في العام 2013 تجعل كل نوستالجيا سياسية للستينات مشروعة، حتى ولو كان
محورها الرئاسة الثانية المعلّقة، تماماً كما البلد، على "ثلث ضامن ونأي
بالنفس" هنا ومشروطيّة إشادة بصواريخ "مقاومة وممانعة" هناك...
زياد ماجد