في الوقت الذي كان أعضاء وفد 8 آذار برئاسة معاون أمين
عام حزب الله يجلسون بالصفّ في تلك القاعة الكبيرة ليسمعوا تحليلات عن المؤامرات
والممانعات، كان عدد من القتلة المحترفين من أصدقائهم يُعملون ذبحاً بعشرات
المواطنين السوريين، أطفالاً ونساءً ورجالاً، في بلدة لا تبعد كثيراً عن مكان
اجتماعهم.
والأمر ليس مجرّد صدفة أو مفارقة أو لعنة صداقة تجمع
سياسيّين بقتلة محترفين. فهدف زيارة الوفد اللبناني أصلاً – مبادراً كان أم
مستدعىً- لا يخرج عن فعل تأييد لمذبحة يقودها منذ أكثر من عامين النظام الذي
استقبلهم رئيسه وحلّل وخطب فيهم. وهذا التأييد هو قبل كلّ شيء القاسم المشترك الأساسي
بينهم: بعضهم يعتنقه لأن راعيته وراعية النظام القاتل واحدة؛ والبعض الآخر يريده
لأن لا صنعة له إن تهاوى صرح "ممانعته" وانعدمت ساحات وشاشات مناطحة المكائد
التي اعتاد الهتاف فيها؛ والبقيّة يرون في المذبحة ما يطمئن ذعرهم من تلك المخلوقات
"الأكثرية" التي يتعامل معها صحبهم بالصواريخ الباليستية وبراميل
الطيران المتفجّرة تارة، وبالسواطير والطلقات تارة أخرى.
وممّا لا شكّ فيه أن يساريّين-علمانيّين كانوا يتمنّون
لو أن صفّ الكراسي في القاعة اتّسع لحضورهم. فتأييدهم للمذبحة يتضمّن معطيات لا
يفقه بها زملاؤهم أو لا يحبّذون دوماً ذكرها. فيها مواجهة لفائض نفط وغاز "صحراوي"،
وفيها صلابة في التعامل مع الأصولية والوهابية، وفيها رأس تمثال أبي العلاء، وفيها
دموع على فلسطين المنسيّة نتيجة "تآمر الدوحة وأنقرة على طهران ودمشق"،
وفيها طبعاً تهليل لحرب باردة متخيّلة يُعلي راية الحقّ فيها بوتين ويخوض حروبها التحريرية
من بوّابتي حمص ودرعا السوريّتين.
على أن الموضوع، في ما هو أبعد من الهزء والغثيان، يظهّر
المفارقة السياسية والأخلاقية القائمة في صورتين أُخذتا في نفس اليوم في سوريا: صورة
ناطقة، وصورة "كاتمة للصوت". الأولى فيها صف من الجثامين الملفوفة
بالأكفان، وقد تسّرب بعض دمها ليرسم على القماش الأبيض خطوطاً وبقعاً تنطق في
"جديدة الفضل" لكثافة معانيها. والصورة الثانية فيها صف من الأحياء
المعدومي المعاني، يجلسون في قاعة "رئاسية" والخواء من حولهم، وأعناقهم
المشرئبّة نحو مضيفهم تشارك الأفواه دعم المذبحة....
هما إذن صورتان، وفيهما مع ذلك ما يكفي لتلخيص الكثير من
الأمور. لعلّ أهمّها أن الخلاف مع مؤيّدي النظام السوري ومريديه ومعظم الصامتين
تجاهه لم يكن يوماً (وليس اليوم بالتأكيد) خلافاً حول حرّية الرأي. كان على الدوام
وما زال خلافاً حول حرّية القتل...
زياد ماجد