الحجّة الجديدة لمريدي النظام
السوري اللبنانيّين، وبخاصة اليساريين منهم المدّعين حياداً أو تمييزاً بين المجازر
والقضايا "الاستراتيجية"، هي الردّ على كل انتقاد لانخراط حزب الله في حرب
النظام الأسدي على الشعب السوري منذ أشهر بالسؤال عن أسباب "صمت" المنتقدين
عن قتال جبهة النصرة و"الإسلاميين السلفيّين" في صفوف الثورة.
هكذا، بعد أن كان التساؤل عن
ديمقراطية قطر والسعودية سبيلاً للرد على المطالبين بالحرّية والكرامة في سوريا،
صار الحكي اليوم عن "النصرة" والمتطرّفين يُستخدم لتبرير حضور حزب الله
في ريف دمشق ومنطقة القصير.
والمنطق هذا، إضافة الى إفلاسه
وتهافت مقارناته جميعها، يشير الى أمرين لافتين.
الأوّل، أنه يتناسى أن الحزب
لبنانيّ مشارك في حكومة وبرلمان، وأن الزجّ بمقاتليه في سوريا إنما هو تدخّل سافر من
قبله وعدوان يقترفه ضد شعب دولة مجاورة، إضافة الى ما يتسبّب به من احتقانات
سياسية ومذهبية في بلده نفسه. في حين أن النصرة وأخواتها هي تعريفاً منظمات بلا
هويّة ترابية ووطنية، ينقل أعضاؤها محدودو العدد "أرض جهادهم" من مكان
الى آخر بلا مسؤوليات سياسية، ولا علاقة يبنونها مع المجتمعات حيث يستقرّون فترة سوى
علاقة استقطاب الشبّان للقتال (ويُقال إن أعداد السوريّين المنضمّين إليهم تتّسع
في الآونة الآخيرة ولو أنها ما زالت ضئيلة إن قورنت بالعدد الإجمالي لعناصر الجيش
الحرّ والكتائب المقاتلة).
والأمر الثاني والأهمّ، أن هذا
المنطق يقرّ على نحو غير مباشر بسويّة بين مذهبية حزب الله ومذهبية "النصرة"
والدائرين في فلكها، وبجواز المقارنة بين الطرفين. والمقارنة في ذاتها تعكس حجم
التراجع الذي أصاب دور الحزب سياسياً وصورته وهالته "المقاومة"، إذ صار
قوة وظيفية- قتالية نقّالة، وصار المدافعون عنه يُضطرون لمقارنته بقوى "سلفية
جهادية" يكيلون لها يومياً الشتائم والاتّهامات ليبرّروا له سلوكيّاته!
بهذا المعنى، لم يعد للحديث عن تدخّل
حزب الله العسكري في سوريا أي أهمية إن انطلق المتحدّثون من التفسير
"الممانع" والاستراتيجي المعهود. الأمر صار عندهم أيضاً مرتبطاً حصراً بارتهان
لأنظمة لأسباب ومفاضلات مذهبية. فحزبهم في سوريا يبدو مجرّد فرقة عسكرية تساعد
النظام على قمع شعبه لأسباب يُحيلها قتاله في مناطق محدّدة الى الشأن المذهبي
الصرف، إن في القصير حيث يحاول التمركز في منطقة سبق وقام النظام بمذابح وحاول
"التطهير المذهبي" فيها لربط الساحل السوري بالطرق الموصلة الى دمشق، أو
في مقام السيدة زينب قرب العاصمة حيث يستجدي الحرب في موقع لم يمسّه أحد بسوء منذ
مئات السنين، لاستدعاء مظلوميّات تاريخية "تبرّر" انتمائه الى لواء
النظام الاستبدادي.
ربّما يجدر بأهل من يشيّعهم حزب
الله في بلدات الجنوب والبقاع أو في الضاحية الجنوبية منذ مدّة أن يسألوا خطباء
التشييع عن علاقة البراميل المتفجّرة وصواريخ سكود وغاز السارين بالتشبيهات
الكربلائية، وعن جدوى موت أبنائهم وهدر أعمارهم، وعن مؤدّيات استجلاب الشرّ الى
لبنان بعد المشاركة في دعمه وتعميمه في سوريا...
زياد ماجد