تتخطّى معاناة الفلسطينيين السوريّين منذ عامين تقريباً
كل معاناة سبق لفلسطينيّين أن تعرّضوا لها.
ذلك أنهم فوق ما يعانونه من قتل واعتقال وتهجير وتدمير
لمساكنهم ومصادر رزقهم، وهذا عرفوا ما يُشبهه في أكثر من محطّة مأساوية في تاريخهم
الطويل، يواجهون اليوم صمتاً فلسطينياً وعربيّاً مخزياً.
يبدون وحيدين بلا مرجعية سياسية أو قانونية كانت منظّمة
التحرير توفّرها قبل عقود، ويبدون في انقطاع عن أهلهم في فلسطين وفي سائر الشتات
إذ لم تحرّك مصائبهم بعدُ مظاهرات واعتصامات وحملات تضامن لنصرتهم وللتخفيف من وقع
الأهوال عليهم.
ولأنهم فلسطينيون، تتضاعف أوجاعهم إن هم هُجّروا خارج المكان
الذي هُجّروا إليه أصلاً قبل أن يصيروا بناته وأبناءه. فلا وثائق سفرهم تسهّل
المرور عربياً وعالمياً، ولا لبنان الأقرب جغرافياً إليهم يرحّب بالوافدين منهم، ولا
ترحالهم داخل الأراضي السورية يقيهم بطش النظام ووحشيّة إجراءاته.
هكذا تتوالى فصول مأساتهم، ويصبحون نهباً لأوضاع عشوائية
ولعزلة تتركهم بلا سند. ولا يمكن إيجاد تبرير لقصور السلطة الفلسطينية والأحزاب
والقوى والهيئات جميعها التي تبدو إن تعاطت بأمرهم عن بعد، محرجة أكثر منها معنيّة.
والمسألة تحتاج ربما تفكيراً معمّقاً يفسّر دلالات هذا التقصير – القطيعة، خاصة
أنه قد يتخطّى مع الوقت أطر السياسة ليلامس جانباً من جوانب العلاقة الشعبية
والعاطفية بين "الداخل" و"الخارج".
على أن الصورة المحزنة هذه، لا تختصر المشهد الفلسطيني
السوري كلّه. فثمة صور بهيّة يرسمها ناشطون داخل المخيّمات أو لاجئون الى جوارها
القريب. صور فيها من ذواتهم الحرّة ومن تضامنهم الجميل ومن عرقهم وكتاباتهم
وفنونهم، وفيها أحياناً من دمائهم، ما يؤكّد كل يوم أن الظلم مهما تكثّف من حولهم،
لم ينل من إرادة الحياة عندهم ولا من توقهم المتجدّد للتحرّر من الاحتلال
والاستبداد.
ولعلّ قراءة ما يكتبه الأصدقاء الفلسطينيون السوريّون عن
اليرموك وعن غيره من المخيّمات حيث وُلدوا ودرسوا ولعبوا وعملوا ونشطوا سياسياً
وثقافياً واجتماعياً، تهدينا الى اكتشاف معنى العلاقة بالمكان حتى ولو كان قد
تأسّس ونشأ على افتراض "المؤقّت". وتهدينا أيضاً الى اكتشاف معنى أن
يكون المرء متعلّقاً بمخيّم يرى فيه، لأنه بالتحديد مخيّم، وطناً وانتماء وحاضنةً فلسطينية-سورية.
"المخيّمات أصل الحكايات"؟ ربّما. المؤكّد
أنها أصل لحكايات كثيرة عن الوفاء والحرّية والتمرّد والغضب وحبّ الحياة...
زياد ماجد
نصّ منشور في النشرة الإلكترونية لتنسيقيّة مخيّم اليرموك