في ما يلي نصّ الحوار مع الزميلة ريتا فرج من جريدة
الرأي، حول 14 آذار ماضياً وحاضراً وحول حزب الله والمسألة الشيعية في لبنان، وحول التوتّر السنّي الشيعي وتأثيرات
الثورة السورية لبنانياً، في ذكرى انتفاضة الاستقلال الثامنة.
- شكلت 14 آذار في مرحلة معينة حركة وطنية عابرة
للطوائف استطاعت من خلالها الحد من الشرخ العمودي بين اللبنانيين. لماذا كُسرت
هذه الحلقة الجامعة؟ وهل فشلت قوى 14 اذار في إرساء خطاب وطني بسبب الصراع
على السلطة؟
كانت 14 آذار لحظة سياسيةً تأسيسية في لبنان. فهي جاءت نتيجة لاغتيال سياسي
أطاح برئيس حكومة، ونتيجة لغضب متراكم من هيمنة النظام السوري المتّهم بالجريمة،
ونتيجة لخروج حزب الله وحلفائه دعماً لهذا النظام. وتأسيسيّتها جاءت بهذا المعنى
انطلاقاً من كونها أنتجت مساراً جديداً يعدّ التحرّر من الهيمنة المخابراتية السورية
استقلالاً ثانياً، ومقدّمة لعقد سياسي جديد بين اللبنانيين.
لكنّ 14 آذار كانت أيضاً لحظة انكشاف للقسمة اللبنانية المستجدّة بين
أكثرية شيعية التفّت حول حزب الله في 8 آذار، وأكثريات سنّية ومسيحية ودرزية
و"مواطنية" التقت في ساحة الشهداء قبل أن تتراكم العوامل التي تفرّق
بعضها.
أما "قوى 14 آذار" فقد كانت ترجمة سياسية تنظيمية للّحظتين،
بتناقضهما. أي أنها كانت وعاء تنظيمياً يؤطّر معظم القوى التي تلاقت خلال تلك
المرحلة. وهذا ما جعلها تحالفاً عريضاً كان "لقاء البريستول" قد وضع
أسسه بعد تجربتي "قرنة شهوان" و"المنبر الديمقراطي". وكانت
أيضاً "تحالفاً طوائفياً" لا يستطيع تجنّب معضلة التموضع الشيعي ضدّه لا
بل يكرّسها نتيجة تركيبته.
ثم راحت العوامل والتبدّلات الداخلية تضغط على الوضع ال14 آذاري إن بسبب تمنّع
قوى 14 آذار أو عجزها عن إسقاط رئيس الجمهورية الممدّد له، أو بسبب الانتخابات
النيابية وما رافقها من "تحالف رباعي" ملتبس (جمَع الأطراف المسلمة في
14 آذار بالقوّتين الشيعيّتين حزب الله وحركة أمل)، أو بسبب الانشقاق العوني
والوعي السياسي المأزوم الذي عبّر عنه، أو نتيجة الانكشاف على "الخارج" في
لحظة صراعية إقليمية، أو بسبب نظام يفترض مقداراً من التوافقية في آليات سيره، وهو
ما يعني التنازل السياسي في القضايا الخلافية والبحث الدائم عن التسووية بهدف
توسيع المشاركة في المؤسسات.
كلّ ذلك بالترافق مع هجوم أمني للنظام السوري بواسطة الاغتيالات استهدف مثقّفين
وقادة سياسيين ونواباً (ثم أمنيّين) جميعهم من معسكر 14 آذار، مما خلق حالة إرهاب
وضغط دائم في صفوف هذا المعسكر، جاء 7 مايو 2008 لتتويجها بعمل عسكري لحزب الله
أنهى المحاولات التسووية وفرَض تبديلات سياسية (مؤقتة) بواسطة السلاح.
- هل
تحتاج قوى 14 اذار الى مراجعة نقدية بعد مرور ثماني سنوات على تاريخها؟
قد تكون إجابتي
هنا مفاجئة. لكنني لا أظن الأمر ضرورياً، على الأقل منذ 2009. فمعنى 14 آذار
ووظيفتها السياسية وما مثّلته في الاجتماع السياسي اللبناني لم يعد قائماً اليوم.
وما قد يعيد إنتاج الصيغة التحالفية ال14 آذارية هو الانتخابات (إن جرت) والاستحقاقات
الحكومية المقبلة ومصالح بعض القوى في التعبئة لمواجهة حزب الله وحلفائه. وهذا
طبعاً مشروعٌ سياسياً، لكنّه يمكن أن يتمّ من دون أي مراجعة. أكثر من ذلك، فافتراض
حاجة المراجعة افتراض في غير محلّه، إذ أن الثقافة السياسية لمعظم القوى المنخرطة
في التحالف ال14 آذاري لا يمكنها أصلاً تقديم ما هو مختلف عمّا قدّمته. كما أن
الكثير من القضايا السياسية الهامة في البلد، خارج مواجهة حزب لله والتيار العوني،
صارت منطلق طلاق وخلاف بين الحلفاء، وصار من الضروري البحث عن فرز سياسي جديد وعن
برامج تحالفية مختلفة للتعامل معها ولإخراج البلد من اصطفافين يبدوان عقيمين منذ
سنوات.
- أين
أخفقت قوى 14 آذار؟ وما الذي حقّقته في التجربة الماضية؟
لنبدأ
بالإنجازات. لا شك أن 14 آذار جسّدت في أشهرها الأولى جانباً من معاني المصالحة
الوطنية بعد الحرب، ولو أن بعض التطوّرات اللاحقة عدّلت سلبياً في ذلك. كما أنها
حقّقت، نتيجة التعبئة الشعبية والضغط الدولي الذي رافقها (والذي لم يكن ممكناً
بالضرورة لولاها)، الخروج العسكري السوري من لبنان. وجرى كذلك إقرار المحكمة
الخاصة في ما خص اغتيال الرئيس الحريري، وهذا كان من أبرز مطالبها. و14 آذار صمدت
رغم الاغتيالات والترهيب. وحتى بعد الانقلاب العسكري عليها الذي قاده حزب الله
بالنيابة عن نظام الأسد في مايو 2008، عادت 14 آذار وفازت بالانتخابات النيابية
عام 2009.
أما الإخفاقات،
فتمثّلت في المقاربات المتسرّعة للكثير من القضايا (من التحالف الرباعي الى
المسألة العونية والاستخفاف بها وبأثرها السياسي-الطائفي)، وفي الخطاب السياسي ومصطلحاته
التبسيطية، وفي المراهنة على المتغيّرات أو العناصر الخارجية واعتبارها كافية لحسم
الصراع (التحقيق الدولي نموذجاً)، وفي الارتباك خلال حرب تموز 2006 وعدم التمييز
بين المعركة السياسية مع حزب الله وسبل التعامل مع بيئته الاجتماعية والمذهبية.
كما أظن أن التعامل مع موضوع سلاح حزب الله كان تعاملاً فيه الكثير من الارتجالية،
بدءاً بتلافي طرح إشكالياته عام 2005، الى اعتباره الموضوع شبه الوحيد الشائك
ابتداء من العام 2006، وانتهاءً بما يشبه التيه والتخبّط في سبل التعامل معه بعد اتّفاق الدوحة
عام 2008.
ولا أظن أن
معظم الإخقاقات المذكورة كانت ممكنة التجنّب نظراً للثقافة السياسية لأكثر قوى 14
آذار ونظراً لبعض علاقاتها الخارجية وحاجتها لهذه الارتباطات وما تفرضه بسبب
المواجهة مع حزب الله وارتباطاته العضوية الإيرانية والسياسية السورية. وبالطبع،
لم أذكر هنا تغييب مجمل القضايا الإصلاحية (من قانون الانتخاب الى اللامركزية
الإدارية الى الشأن الاقتصادي الاجتماعي..) لأنني لا أظنّ أصلاً أنها قضايا تعني
14 آذار (أو 8 آذار) أو أي قوّة سياسية رئيسية في لبنان.
- لماذا فشلت 14 اذار في اختراق الجدار الشيعي كي
تصبح حركة مكتملة النصاب؟
يحيلنا هذا
الأمر الى ضرورة الحديث عمّا يمكن تسميته بالمسألة الشيعية في لبنان. وهي مبنيّة
على ثلاثة عوامل رئيسية على الأقل.
الأول، مرتبط بظهور "شيعية سياسية" بدءاً من منتصف الثمانينات،
متحالفة مع النظام السوري ومموّل أحد طرفيها من قبل إيران. وهذه الشيعية السياسية
لم تحصل في اتّفاق "الطائف" على ما تظنّه حقّها السياسي دستورياً (إذ
ظلّ "الطائف" في فلسفته أقرب الى صيغة ال1943 معدّلة، مع ما يعنيه الأمر
من عقد ماروني سنّي تبدّلت وظائف الطرفين فيه). فعوّضت عن ذلك من خلال الممارسة
والأمر الواقع. بمعنى أن أحد طرفيها (رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي) فرض نفسه
عبر صيغة ما سُمّي ب"الترويكا"، والثاني (حزب الله) فرض نفسه من خلال
إمساكه مقاليد الصراع العسكري مع إسرائيل وما يوفّره الأمر له من بناء جيش متكامل
ومن ترجمة للتحالف مع إيران ومن تذرّع بالمقاومة لتبرير كل موقف. وهذه الشيعية
السياسية رأت "مكتسباتها" مهدّدة مع الانسحاب السوري من لبنان، فتموضعت
ضدّ المطالبين به.
الثاني، مرتبط بما أحدثته الصيغ الطائفية وممارسات النخب السياسية وقوانين
الانتخاب على مدى عقود من تكريس للهويات المذهبية ومن تحوّلها منطلقاً للولاءات
وللفعل السياسي. وإذا كانت البيئة الشيعية ظلّت لغاية الثمانينات الأكثر تفلّتاً من
هذا الواقع نتيجة الحضور القوي لليسار فيها ونتيجة التحوّلات الاجتماعية
والاقتصادية التي شهدتها عبر تعاظم الهجرة نحو المدن وارتفاع معدّلات التعليم، فإن
صعود حركة أمل ثم حزب الله مدعومَين بهيمنة النظام السوري على لبنان وبالمال
والعتاد والايديولوجيا الإيرانية، وبعمليّات تصفية اليسار وتهميش الزعامات
التقليدية الشيعية (المناطقية والقليلة النفوذ وطنياً)، أحدث تغيّراً جذرياً في المعطى
الثقافي والاجتماعي الشيعي.
والثالث، وهو ربطاً بما سبق ذكره، يفيد أن الأكثرية الشيعية في لبنان وقعت
في أزمة كبرى عام 2005. إذ أن الانكفاء السياسي السوري يعني انكشافها لحسابات
داخلية كانت بمنأى عنها نتيجة إدارة دمشق للوضع اللبناني. وسلاحها، الذي تحوّل
باعتقادها ضمانة للحفاظ على الوضع نفسه الذي سبق آذار 2005، لم يكن مقبولاً من
معظم اللبنانيين الذين يرون فيه – عن حق - وسيلة ربط للبنان باحتمالات الصدام
الاسرائيلي الإيراني، وما يشكّله الأمر من مخاطر.
هكذا، بان البلد في آذار 2005 مقبلاً على انقسام كبير. وعجّل حزب الله من
أمر الانقسام في مظاهرة 8 آذار محوّلاً المواجهة الاستقلالية مع النظام السوري الى
مواجهة معه ومع تمثيله الشيعي و"مقاومته". ولمّا كان المعسكر الاستقلالي
– 14 آذار – مكوّناً بشكل أساسي من قوى سنّية ومسيحية ودرزية، صار من الصعب
التعامل مع الانقسام بوصفه سياسياً فقط.
ويمكن أن نضيف أن حزب الله الذي نجح في جرّ قوى 14 آذار الى القسمة التي
أرادها، تمكّن بعد اتّفاقه مع التيار العوني من "فكّ الطوق" عنه ومن
إثارة قضايا مثل "توطين الفلسطينيين" والخشية من "السلفية
السنية" لتبرير سلاحه في بعض الأوساط المسيحية. ولم تكن ردّة فعل قوى 14 آذار
بنفس المهارة السياسية، ولم تتمكّن خلال السنوات التي تلت ذلك من تعديل الوضع. لا
بل هي استسلمت، على وقع تصاعد الصدام السعودي الايراني في المنطقة، الى القسمة هذه،
وبدا البلد في حالٍ من المواجهة السنّية الشيعية التي ينقسم المسيحيون تجاهها،
ومعهم معظم العلمانيين، ولا يعدّل الكفّة لصالح 14 آذار سوى المكوّن الدرزي بقيادة
وليد جنبلاط. وهو التعديل الذي صار يتبدّل بالتالي وِفق تموضع جنبلاط.
- بدت
14 آذار في لحظة مناقشة قانون الانتخاب وكأنها أصيبت بتصدعات حقيقية. الى أي
مدى يمكن القول إنها خسرت وحدتها؟
لم يكن الأمر
مفاجئاً. وأكرّر القول إن معنى 14 آذار ووحدتها لم يعد ذات طائل منذ العام 2009. فالمبادرات
التي فُرضت عربياً ودولياً وقتها على بعض مكوّنات 14 آذار لمصالحة النظام السوري
(ولو مؤقتاً) قضت على معنى استمرار 14 آذار. وكذلك الانقلاب العسكري-السياسي الذي
تعرّضت له مطلع العام 2011 والذي أخرجها من السلطة التنفيذية. أكثر من ذلك، جاءت
الثورات العربية، وآخرها الثورة السورية المستمرة، لتظهر أيضاً عجز قوى 14 آذار عن
أي مواكبة للتحوّلات. ثم ما إن طُرحت قضايا الانتخابات وقوانينه حتى انكشفت
الأولويات الطائفية المختلفة لدى هذه القوى. فالمزايدات التي أطلقها التيار العوني
جذبت إليه – نتيجة ثقافة مشتركة أو نتيجة الخشية من الظهور بمظهر أقل تشدّداً
وحرصاً طائفياً – معظم القوى المسيحية في 14 آذار. كما أن الأداء المرتبك لتيار
المستقبل والحملة المرتجلة والفاشلة المطالبة باستقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
بعد اغتيال وسام الحسن (الذي كان ضربة أمنية وسياسية موجعة جداً للبنان عامة ولقوى
14 آذار خاصة) أضرّت بتماسك المعسكر، وأعطت مؤشراً محبطاً لجمهورها. ولا ينبغي أن
ننسى أن خروج وليد جنبلاط من 14 آذار أفقدها بعداً أساسياً، كان "قيمة مضافة"
لها على خصومها ال8 آذاريين... وكل ذلك، لا يمكن أن يبقى من دون تداعيات سياسية قد
تلملمها الانتخابات النيابية إن حصلت، ولكنّ لملمتها لا تُغير في كون الفُرقة
حصلت، وانكفاء قسم من الجمهور أو ملله وسأمه من المراوحة وغياب المخيّلة السياسية
حدث.
- تؤكد
قوى 14 آذار أنها هي من صدّرت الربيع العربي وبأنها أول تكتل سياسي إذا جاز
التعبير استطاع التصدي للنظام الأمني. في رأيك هل ثمة تأثير مباشر للحركة
الاحتجاجية التي شهدتها بيروت العام 2005 على الانتفاضات العربية؟ وإن صحت
هذه الفرضية ما هي أوجه الشبه بين الثورتين؟
هذا كلام
مبالغات وخفّة سياسية، ويمكن لأي بحث رصين أن يُظهر أن لا علاقة مباشرة لما جرى في
بيروت عام 2005 بأسباب الثورات العربية وديناميّاتها، وأن المشترك الأبرز بينها هو
مشهديّة الحشود الرائعة في الساحات والشوارع مطالبة بخلاصٍ ما.
إنتفاضة
الاستقلال في بيروت كانت ضد قوّة هيمنة خارجية، وقادت الانتفاضة هذه قوى سياسية
ذات تمثيل شعبي واسع، كان بعضها موجوداً في مؤسسات الحكم قبل الانتفاضة واستمرّ
خلالها وصار أكثر حضوراً في الحكم نفسه بعدها. كما أن انتفاضة الاستقلال اللبنانية
والحشد الجماهيري الهائل الذي توجّها في 14 آذار 2005 (وهو الأكبر عربياً، مقارنة
بعدد السكان طبعاً) هدفت الى إخراج الهيمنة السورية وليس الى إصلاح النظام السياسي
اللبناني أو تغييره. وهي كانت لحظة لم تستقطب اهتماماً شعبياً عربياً كبيراً. وبين
من تابعها، كان قسم أساسي مأخوذاً بحزب الله ومعجباً بأمينه العام، فخاصمها، أو
على الأقلّ شكّك بصدقيّتها.
أما الثورات
العربية، التي شارك فيها شباب كثر كانوا في سنّ لم يتح لهم مراقبة الحدث اللبناني
جيداً قبل ست سنوات، فأسبابها مرتبطة بتحوّلات اجتماعية وثقافية واقتصادية في
المجتمعات المعنية حصلت في العقد الأخير. كما أنها نتيجة توق عارم للتحرّر من
استبداد داخلي وليس خارجياً. ومعظم القائمين بها من غير المنضوين في تيارات
سياسية، وحتى المنضوين في هكذا تيّارات، كانوا هم وتياراتهم على الدوام خارج أي
تمثيل حقيقي في المؤسسات الدستورية وفي الإدارة العامة. هذا ناهيك عن الفارق بين
المطالب وبين هامش الحرّيات الذي ظلّ على الدوام متاحاً في لبنان مقابل انعدامه في
معظم الدول العربية.
- في
ظل الحديث عن صراع سني - شيعي في لبنان والعالم العربي، ما هو المطلوب من قوى
14 اذار في سبيل الحد من تداعيات هذا الصراع. وهل استنادها لخطاب وطني عابر
للمذاهب وللانشقاقات السياسية في لبنان يمكن أن يؤديا الى تخفيف الاحتقان
المذهبي؟
تحتاج القوى
السياسية جميعها في لبنان، بما فيها قوى 14 آذار، الى تقليص رقعة التوتّرات
والاستفزازات المتّصلة بالشأن المذهبي. ويمكن طبعاً لكل خطاب وطني ولكل سلوك يخفّف
من حدّة الاحتقان أن يكون مفيداً.
لكنني لا أظن
أن الأمر هذا سيكون ممكناً. فانخراط حزب الله في المعركة التي يخوضها نظام الأسد
ضد الثورة السورية هو مدعاة استثارة مشاعر مذهبية حادة، في سوريا كما في لبنان. وتقدّم
الحضور السلفي السنّي في بعض المناطق اللبنانية صار ردّاً "شبه طبيعي" -
وخطير - على سلوك حزب الله وخطابه. كما أن السعي الإيراني لفرض نفوذ طهران في أكثر
من دولة عربية، من العراق الى سوريا فلبنان، يُجابه بهجوم مضاد تقوده السعودية. والوضع
البحريني يرتبط بالأمر نفسه، ويصعب بالتالي تصوّر انكفاء لبناني عن كلّ هذا.
على أن السؤال
الذي يطرح نفسه، والذي يُظهر مسؤولية حزب الله وإيران في إيصال الأمور الى ما هي
عليه في لبنان اليوم، هو: لماذا ظلّ التمثيل السياسي السني، منذ العام 1943 ولغاية
اليوم حكراً على قوى ليبرالية التوجّه أو مدنيّته، معتدلة حتى بمكوّناتها العائلية
والمناطقية المحافِظة، ولم يتحوّل مرّة الى تطرّف ديني أو الى إيديولوجيا مذهبية؟
ولمصلحة من إضعاف هكذا قوى، بمعزل عن أي تقييم لأدائها، والإكثار من سلوكيّات إستفزازية
– من قبل قوّة دينية إيديولوجية مدجّجة بالسلاح! - تولّد ردود فعل مذهبية متطرّفة
تتمدّد على حسابها؟
- هل
تحتاج قوى 14 آذار لاطلاق مبادرة في سبيل ملاقاة التحولات التي تشهدها سورية؟
تحتاج قوى 14
آذار، ويحتاج جميع اللبنانيين، لعدم اعتبار اللحظة السورية مناسبة لتصفية حسابات
محلية. ويحتاجون جميعهم للإبتعاد عن الأوهام، وإطلاق حوار وطني حول الاحتمالات
الناجمة عن التحوّلات التي ستشهدها سوريا في الأشهر والسنوات المقبلة. كما يحتاجون
لاعتبار مكافحة العنصرية البغيضة، التي تسمح لوزراء ونوّاب التفوّه بكلام سفيه،
واحدة من أولويّاتهم.
على أن كل هذا
مهدّد اليوم بكمّ من المشاكل والاعتبارات الداخلية والإقليمية، يمثّل دخول حزب
الله العسكري الى داخل الأراضي السورية للقتال الى جانب النظام واحداً من
أخطرها...
أجزاء من هذه المساهمة ومساهمة ثانية للصديق
سمير فرنجية على هذا الرابط.
http://www.alraimedia.com/Resources/PdfPages/AlRAI/3487B0C5-7F1D-4258-B960-D97903535200/P53.pdf