بعد
أن تردّد أن رئيسَ تيار المستقبل سعد الحريري رشّح رئيسَ تيّار المردة وحليفَ رئيس
النظام السوري سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، رشّح قائدُ القوات اللبنانية سمير
جعجع حليفَ حزب الله ميشال عون لموقع الرئاسة إياها.
هكذا
تبارى زعيما معسكر 14 آذار (أو ما تبقّى منه) على ترشيح أبرز مارونيّين في معسكر 8
آذار (أو ما تبقّى منه) وسط ذهول أنصارهما، ثم تباري بعض هؤلاء على الإشادة بخطوتَي
حكيمَيهما واعتبار ما فعلا دهاءً ونجاحاً متأخّراً بإحراج حزب الله تحضيراً لملء
الفراغ في موقع الرئاسة الأولى.
وفي
ما خلا التشاتُم بين مُريدين للمرشِحَين (الحريري وجعجع)، وفي ما خلا ادّعاء صناعة
رؤساء وبرامج، لم تُحرج الخطوة الحزب الإلهي ولم تدفعه الى الإعلان عن مشاركةٍ في
أي جلسة إنتخابية. وما اعتبار "إحراج" السيد نصر الله أصلاً سوى سذاجة،
وكأن الرجل وحزبه يتوقّفان عند "الإحراجات" في لحظة خوضِ حرب عدوانية ضارية
في سوريا وفي لحظة انتظار احتمالات إعادة تشكيل المنطقة سياسياً، وفي لحظة بدء تدفّق
عشرات مليارات الدولارات على إيران وما سيولّده الأمر من ديناميات جديدة داخلها
كما في الساحات الإقليمية التي تمدّدت فيها عسكرياً.
وحتى
لو اعتبرنا أن للانتخابات الرئاسية أهميّة في حسابات حزب الله، فإن في تعطيل
النِصاب عونياً ما يوفّر على الحزب كل مبادرة. والتعطيل هذا سيبقى سيّد الموقف ما
بقي فرنجية على ترشيحه. ذلك أن أي جلسة انتخاب فيها المرشّحَان ستُفضي الى فوز
فرنجية نتيجةَ تجيير تحالف الحريري – جنبلاط – بري – فرنجية (وربما الكتائب) عدداً
من الأصوات يفوق ما قد يجيّره "تحالف" حزب الله – عون – القوات. وهذا ما
أعلن عون عن عدم السماح به، وجاراه في ذلك نصر الله، ممنوناً.
يُحيلنا
الأمر الى قضيّتين تظلّلان الأزمة الرئاسية. الأولى، مرتبطة بالنخبة السياسية
المارونية وتحالفاتها. والثانية، بآلية التوافقية ومشروطيّتها لجهة النصاب
الانتخابي. فإذا كانت الأولى توحي بجمود فظيع أبقى الموارنة "الأقوياء"
جميعهم اليوم (عون وجعجع، وبعدهما ولو من موقع آخر، الجميّل) مهزومي نهاية الحرب
الأهلية قبل ربع قرن، فيما زعامة الآخرين (بمن فيهم فرنجية) موضعية متوارَثة لا
تكفي لصناعة قوة ذاتية على مساحة أوسع من قضاء أو نصف محافظة، فإن شروط التوافقية
لجهة النِصاب الانتخابي الرئاسي في ظل الانقسامات الراهنة (والمرشّحة للاستمرار)
تجعل كل انتخاب محكوماً بانعدام التنافسية وبقدرة ممثّلي الطوائف الكبرى على ممارسة
الضغوط والابتزاز حتى فرض مرشّح واحد في النهاية...
في
مواجهة ذلك، قد لا يكون البحث في إصلاح النظام السياسي نفسه مسألةً تعني أحداً من
أقطاب السياسة اللبنانية. وقد يقول البعض إن الأولوية ليست لها في أي حال. لكن ذلك
لا يعني الاستسلام لعدم طرحها، ولا لعدم اقتراح جعل المنصب الرئاسي مسيحياً مثلاً،
عوض البقاء في مورَنته، وتبادل الأدوار كل أربع سنوات بين ممثّلي السنة والشيعة في
رئاستي المجلس النيابي والحكومة، ثم تبادل الأدوار بين ممثّلي الطوائف جميعها
لاحقاً في الرئاسات الثلاث والانتهاء من التمثيل الطائفي في المجلس النيابي ونقله
الى مجلس شيوخ مُستحدث، ثم البحث في فلسفة التوافق الطوائفي ذاتها وما بقي منها.
من
دون ذلك أو ما شابهه، يبدو أننا سنحتفل طويلاً كلّ ما حلّ أيار بفراغ الرئاسة
ومعها باقي "الجمهورية"، أو سنعدّل كلّ أربع سنوات مادة دستورية هنا
وأُخرى هناك للإتيان بمالئٍ مؤقّت لهذا الفراغ المديد.
زياد ماجد