ملاحظاتي الثلاث حول مُجريات الأمور في حلب، ضمن تقرير جريدة "المصري اليوم" الذي أعدّه رضا غنيم. لقراءة التقرير كاملاً، يمكن الضغظ هنا.
أوّلاً: بالنسبة لما يسمّيه الروس ونظام الأسد
"ممرّات إنسانية"
هذه الممرّات، بالشكل المطروح هي بالواقع "ممرّات
غير إنسانية"، فالممرّات الإنسانية
والممرّات الآمنة، تكون بالاتجاهين، وتسمح بإدخال الأغذية والأدوية الى المناطق
المحاصرة. أما الممرات المُقترحة من الروس والأسد فهي ممرّات لإخراج السكان من
الأحياء الشرقية لحلب، أي هي ممرّات لتشريدهم ولصناعة المزيد من المهجّرين
واللاجئين السوريّين. وفوق ذلك، لا يوجد سابقة واحدة في السياق السوري تسمح
للمواطنين بالثقة في أن خروجهم من الحصار عبر مناطق يسيطر عليها النظام وحلفاؤه
سيكون آمناً. فهم يعرفون جيداً من تجاربهم أنهم قد يكونون عرضةً للقنص أو الاعتقال
والتنكيل، كما سبق وجرى في حمص، وكما جرى في بعض مناطق ريف دمشق.
الاقتراح الروسي – الأسدي المُروّج له إذاً ليس
"إنسانياً"، وهو استمرار لانتهاك قرارات الأمم المتّحدة، لا سيّما القرار 2139 الصادر في 21 فبراير 2014 والقاضي برفع الحصار
عن السكان المدنيّين والتوقّف عن انتهاك القانون الدولي الإنساني؛ وهدفه الفعلي هو
الادّعاء لاحقاً أن مقاتلي حلب هم من يمنعون أهلهم من الخروج من بعض أحياء المدينة
المحاصرة ويتّخذونهم رهائن، وبالتالي لا مفرّ من إطباق الحصار عليهم ومحاولة
اجتياح ما تبقّى من مناطق يسيطرون عليها.
ثانياً: بالنسبة للانتفاضة الشعبية في
المدينة
أهميّة ما جرى يوم الأحد في 31 يوليو 2016، تكمن في
إظهار التلاحم على أكثر من مستوى بين أهل أحياء حلب الشرقية وبين أبنائهم
المقاتلين على الجبهات، بما يُعيد تذكيرنا جميعاً بأن الثورة السورية بمعناها
العميق ما زالت حيّة رغم كمّ الأهوال والصراعات والتدخّلات الخارجية. فحلب شهدت
الأحد صباحاً مظاهرات شعبية كبيرة ترفع أعلام الثورة السورية (أعلام الاستقلال)
وتردّد شعارات تشبه شعارات العام الأول (العام 2011) لجهة تحرير سوريا من
الاستبداد وإسقاط النظام، معطوفاً عليها التعهّد بعدم التنكّر للتضحيات والوفاء
للشهداء والمعتقلين. وحلب شهدت بعد الظهر حملة شعبية لإحراق إطارات السيّارات للتسبّب
بسحابة دخان سوداء كبيرة فوق المدينة، تُعيق نشاط الطيران الروسي والأسدي وتحجب
عنه الرؤية جزئياً بما يعرقل قصفه للمدنيّين والمراكز الطبية من ناحية، وبما يقلّص
دوره في المعارك العسكرية من ناحية ثانية. والمعارك العسكرية اندلعت بعد ذلك بشكل
عنيف وكثيف، إذ شنّت قوات المعارضة (جيش الفتح والجبهة الشامية وفتح حلب وفصائل
الجيش السوري الحرّ) هجوماً عسكرياً كبيراً في جبهات تمتدّ على مسافة 20 كيلومتراً
في جنوب المدينة وجنوبها الغربي، وتقدّمت على أكثر من محور في محاولة لفتح ممرّ
يفكّ الحصار مرحليّاً عن المدينة.
ثالثاً: بالنسبة للمعارك العسكرية
تستمرّ هذه المعارك اليوم وتتقارب خطوط الاشتباك
بين الطرفين. وتُظهر كتائب المعارضة قدرات عسكرية هجومية جيّدة، وهي فاجأت أعداءها
لجهة مركز الهجوم وسعة الجبهة. ففي حين كان النظام والروس والإيرانيون وحزب الله
يتوقعون محاولات اقتحام أو هجمات في شمال حلب لجهة معبر الكاستيلو ومخيم حندرات
اللذين سقطا قبل أيام تحت سيطرتهم، جاءهم الهجوم الكبير من الجنوب والجنوب الغربي.
التحدّي الآن بالنسبة للمعارضين هو في مدى قدرتهم على تثبيت مواقع انتشارهم
الجديد، ومحافظتهم على المكاسب الترابية التي حقّقوها، ثم الانطلاق في هجمات جديدة
لكسر الطوق في مناطق تتباعد خطوطهم المتقابلة فيها حوالي 3 كلم. ليس من المؤكّد
بعد إن كانوا قادرين على ذلك، وفارق الطاقة النارية كبير بالطبع لصالح النظام
وحلفائه، كما أن الطيران وإن تباطأ عمله يبقى سلاحاً فتّاكاً وحاسماً في الكثير من
الأحيان. لكنّهم يستمرّون بالمحاولة حتى الآن وبالقتال والكفاح المرير.
على أن كلّ هذه التطوّرات تشير الى أن المسؤولية
التي تتحمّلها الأمم المتحدة والدول التي تدّعي عناية بالشأن السوري كبيرة جداً في
ما يجري اليوم في حلب وغيرها (في داريا والغوطتين وفي جنوب دمشق كما في حوران وحمص
وريف إدلب، ناهيكم بالرقة ودير الزور). فعدم فرض حظر للطيران لحماية المدنيّين،
وعدم البحث الجدي في سبل تطبيق قرارات الأمم المتّحدة القاضية بوقف حصار المدنيّين
وتجويعهم، وعدم اتّخاذ المواقف الحاسمة تجاه انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب
والجرائم ضد الإنسانية (بما فيها القصف الجوّي المنهجي للمستشفيات ومراكز العناية
الصحية وللمخابز ومخازن الأطعمة)، ساهم في إيصالنا الى ما نحن فيه اليوم من مآسٍ إنسانية
ومن حلقات عنف قاتلة لا يبدو أنها مُقبلة على التوقّف في المستقبل القريب.
زياد ماجد