من
بين الجمعيات والنوادي الشبابية والحركات الاجتماعية والثقافية في بيروت، يبرز النادي
العلماني في الجامعة الأميركية بوصفه واحداً من أكثر معاقل العمل الطلابي والنشاط
المدني حيويةً وفاعلية.
بهذا
المعنى، يلعب النادي منذ سنوات دوراً يذكّر بأدوارٍ كانت الحركة الطلابية تلعبها
في مراحل سابقة في تاريخ البلد، لا سيّما في مطلع سبعينات القرن الماضي، مع فارق
أنه يقوم ونظراؤه بالأمر راهناً في
ظلّ غياب القوى السياسية الحاملة لمشاريع الإصلاح والتغيير، وفي ظل تراجع الهيئات
النقابية وتفاقم التوتّرات المذهبية المعطّلة لمؤسّسات الدولة.
والنادي
العلماني إذ يُوازن بين عمله الموضعي، أي
العمل الطلاّبي والثقافي داخل الحرم الجامعي، ومساهمته في المبادرات المواطنية المُنظّمة
في الشارع مواجهةً للأمر الواقع المتردّي والمسؤولين عنه، إنما يُبقي بعض الأمل في
إمكانية استنهاض حالة طلّابية شبابية توفّق بين الاختصاص القطاعي والقضايا العامة،
وتمدّ العمل السياسي – بمعناه النبيل – بأفكار وأساليب
عمل متجدّدة.
فمن
الانتخابات الطلابية التي يخوضها داخل الجامعة وفق برامج وخبرات تزداد عاماً بعد
عام، الى المشاركة في الحملات المندّدة بالعنصرية أو بنظام القسمة الطائفية والزبائنية اللبناني أو بفضائح النفايات والكهرباء، الى
استمراره في تحفيز الطلاب على النقاش في مسائل العلمنة وربط الأخيرة بمشروطية الديمقراطية وحقوق الانسان واعتبارها سبيلاً
للخروج من الاصطفافات الأولّية – طائفية أو جهوية – وأفقاً للتغيير، يقدّم النادي
نموذجاً للنشاط الطلابي والمدني ذي النفس الطويل الذي يحتاج لبنان لما يشبهه داخل
جامعاته وخارجها. وهو يرفد نموذجه هذا بمواقف سياسية وأخلاقية تجاه اللاجئين وتجاه
العاملات والعمال الأجانب. ويرفده كذلك بجعله
التضامن مع كفاح الفلسطينيين والسوريين ضد الاحتلال والاستبداد والطغيان شكلاً من
أشكال تعزيز وعي الطلاب السياسي والتزامهم بِقيَم العدالة والكرامة الإنسانية التي
تتخطّى الحدود الوطنية.
ولا
شكّ أن مناخ التنوّع الذي تُتيحه الجامعة الأميركية يسمح لنادٍ كالنادي العلماني
بالتأسّس والعمل في حرمها والإطلالة منه على محيطها وعلى العالم. وهذا يُسجّل -
كما العديد من الأمور – للجامعة وللكثير من أساتذتها ولأكثر من جيل من طلابها
وطالباتها. لكن ارتفاع الأقساط المستمر منذ فترة يهدّد أكثر فأكثر التنوّع الذي
ميّز بيئتها الطلابية طيلة عقود ممّا سيترك آثاراً سلبية مستقبلاً على غِنى
الجامعة وحيوية مجتمعها.
الأهم،
أن تعميم تجربة النادي العلماني أو ما يشبهه على الجامعات جميعها، لا سيّما
الجامعة اللبنانية بفروعها المناطقية المختلفة، قد يكون مدخلاً لتطوير التجارب
الطلابية المواطنية وتنويعها وجعلها لا مركزية،
بما يوسّع مساحات الفعل المدني ويحصّنها، ويعيد يوماً ما ربط الجامعات بعملية تجديد
النخب السياسية المتوقّفة منذ أواسط الحرب الأهلية.
زياد ماجد