ليست الكتابةُ عن "نادي
النجمة" في لبنان اليوم استراحةً أو ترفاً في وقت تتراكم فيه الأزمات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد، وتتضاعف أعباء الحياة اليومية على قسمٍ
كبير من الناس، وتنتشر فضائح الفساد والإفساد في ملفّات الكهرباء والنفايات والكسّارات
والمخالفات البحرّية وغيرها.
فما يجري من ابتزاز مذهبي لبعض
جمهور "النجمة" وما يقوم به جمهور الأخير من مبادرات وتحرّكات يظهّر الكثير
من الأحوال اللبنانية القائمة، ويلقي الضوء على بعض الديناميات الاجتماعية
الطائفية أو المضادة للطائفية. ذلك أن النادي البيروتي العريق، صاحب الجمهور
الأكبر والأوسع انتشاراً مناطقياً والأكثر صخباً ووفاءً وجموحاً ومتابعةً لفريقه
عاماً بعد عام، فائزاً أم خاسراً، يتعرّض لمحاولات تجريده من جزء من هذا الجمهور بما
يُنهي كونه علامةً فارقة في الاجتماع الرياضي – السياسي اللبناني.
فنادي النجمة، بإدارته المتنوعةِ
انتماءاتُ أعضائها الطائفية والاجتماعية مع أرجحيّةٍ سنيّة، تناصره قاعدة شعبية
متعدّدة الانتماءات الطوائفية والطبقية والسياسية، مع أرجحية شيعية. على أن
الأرجحية الشيعية هذه لم تخفّف من حماس أصحابها لفريقهم حين يواجه فرقاً محسوبةً
جغرافياً على الديموغرافيا الشيعية إيّاها (كالتضامن صور في الجنوب أو شباب الساحل
- والبرج سابقاً - في الضاحية الجنوبية لبيروت)، بل على العكس، فهي تزيد من حماسهم
ومن تعصّبهم لفريقهم "النبيذي"، كما يسمّونه.
الأهم والأكثر دلالة، أن صعود
"نادي العهد" المحسوب مباشرة على حزب الله، وتحوّله في السنوات الأخيرة
الى واحد من أبرز الفرق اللبنانية، لم يؤثّر إطلاقاً على القاعدة النجماوية، التي قد
يؤيّد كثرٌ فيها الحزب الشيعي المسلّح ويهتفون لسيّده، لكنّهم يعادون فريقه الرياضي
بحدّة (فاقت عداءهم التاريخي لنادي "الأنصار")، خاصةً وهو المتحوّل الى ندّهم
أو غريمهم الجديد. وهذا ليس دليل "فصلهم السياسة عن الرياضة" كما يتردّد،
بل نتيجة أولوية "النجمة" عندهم على باقي الانتماءات، بما فيها الطائفية
والسياسية. ولعلّ الاستخدام المتكرّر من قبل بعض المستائين من الاستقلالية
النجماوية المذكورة لمقولاتٍ تعدّ التهجّم على "العهد" نيلاً من "كرامة
المقاومين ودماء الشهداء" يشير الى سلّم الهويات ويسعى لتخيير قسم من النجماويّين
بين فريقهم و"فريق المقاومة"، وربط الأمر بقسمةٍ سياسية – طائفية لبنانية،
يريدونها مقسّمةً للجمهور النجماوي. يترافق ذلك مع اتّصالات وابتزاز في أكثر من
منطقة هدفها الإيحاء بأن معاداة "العهد" كمثل معاداة
"المقاومة" وأن القائمين بالأمر يخونون قضاياهم ومجتمعهم.
من ناحية ثانية، شكّل نجاح جمهور "النجمة"
يوم الأحد الفائت في فكّ الطوق الأمني المفروض على المدرّجات ودخوله إياها سلميّاً
إثر مسيرات وتظاهرات شارك فيها الآلاف عودة روح الى الملاعب بعد أن أُقفلت في وجه الجماهير
منذ مدّة. وبرز تحرّكه وكأنه "انتفاضة" شعبية لاستعادة الحقّ في حضور
المباريات ورفض الحظر المفروض عليها بحجج واهية. وهذا جعله يبدو "فاعِلاً"
مواطنياً أو اجتماعياً يبادر الى تنظيم تحرّك ويفاوض السلطات المختصة عليه،
مدعوماً بحشود تضاهي حشود الأحزاب الكبرى. وفي ذلك حيوية تتخطّى الحقل الرياضي
ويمكن التشبّه بها في سياق تحرّكات مطلبية سياسية أو اجتماعية.
بهذا المعنى، يبرز "نادي
النجمة" في لبنان ليس بوصفه النادي الأوسع شعبية فحسب، بل أيضاً وخاصة بوصفه
محلّ تجاذب سياسي ومذهبي يسعى القائمون به الى الاستيلاء على بعض جمهوره وترهيب
البعض الآخر. ويبرز أيضاً بوصفه منطلق ديناميات في الشارع تُظهر أن
"السياسة" من تحت كما "الميكرو-سياسة" ما زالتا متحرّكتين في
بلد تعاني سياساته "من فوق" من شلل وعقم وتهتّك فظيع...
زياد ماجد