نص المقابلة التي أجرتها معي الصحافية حنين شبشول في تحقيقها حول البلديّات وانتخاباتها والحملات المواطنية - جريدة المدن الإلكترونية.
هل يمكنك أن تخبرنا أكثر عن حملة "بلدي
بلدتي بلديتي"؟ كيف بدأت، من أطلقها، ولماذا اخترتم هذا الاسم؟
الحملة أطلقتها "الجمعية
اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" أواخر العام 1997، ثم تحوّلت الى
إطار مستقل يجمع طلّاباً وأفراداً ناشطين في أكثر من جمعية لبنانية وكتّاباً
وحقوقيّين وفنّانين تحت مسمّى "اللقاء من أجل الانتخابات البلدية
والاختيارية".
هدف الحملة المباشر كان الضغط على
السلطات اللبنانية لإجراء أول انتخابات محلّية في لبنان منذ العام 1963، ورفض
الذرائع المُتداولة وقتها والهادفة الى تأجيل الاستحقاق مرةً إضافية. أما الهدف
غير المباشر أو الأبعد من الانتخابات نفسها فكان السعي لتحفيز المواطنين على
الانخراط في الشأن العام، ورفض استمرار مصادرة القوى السياسية والزعامات الطائفية
لأدوار البلديات وتحويلها الى شبكات انتفاع وتنفيع زبائني.
أما "بلدي بلدتي بلديّتي"
فكان شعار الحملة الذي وضعه الصديق بول الأشقر والذي تحوّل الى إعلان عن الحملة مع
"جينغل" موسيقي لزياد الرحباني (الذي أقام دعماً لها حفلة موسيقية في
البيكاديلي في الحمرا)، ثم صار اسمها الفعلي نتيجة جاذبيّته ونجاحه. والمقصود كان
إظهار الترابط بين البلدية والمحلّة والبلد عامة والتركيز على أهمية البلديات
كحيّز تأسيسي للنشاط السياسي ولاكتساب الخبرة في إدارة مصالح المواطنين وحمايتها.
عملنا بول الأشقر وأنا على تنسيق
الأنشطة وتنظيم الاجتماعات وكتابة البيانات والاتصال بالجمعيات وببعض القوى السياسية.
وكان للزملاء في "المركز اللبناني للدراسات" وللعديد من الشباب والشابات
من أعضاء "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" دور أساسي في
العمل، وكذلك الأمر بالنسبة لصحافيّين وكتّاب وفنّانين وحقوقيّين ومثقّفين دعموا
الحملة وأتاحوا تغطيةً لنشاطاتها ووصولاً لبياناتها الى قطاعات واسعة من
المواطنين.
ما هي العقبات التي كانت تواجهكم
وقت الحملة؟
وكيف كان تجاوب المواطنين معكم؟
الحملة انطلقت، بعد تحضيرات طويلة،
في شهر تشرين الأول من العام 1997 واستمرت حتى عشية تنظيم الاقتراع في أيار من
العام 1998. لم يكن لبنان يومها، ومنذ انتهاء حربه الأهلية، يعرف الحملات
المواطنية الواسعة أو الجهود المدنية المعنية بالشأن العام. ففي ما عدا بعض
الندوات والمؤتمرات وبيانات المثقفين وبعض المواقف السياسية التي ميّزت أفراداً
ترشّحوا للانتخابات النيابية العام 1996، كانت معظم التحركات المدنية مختصة بشأن
قطاعي أو نقابي أو بشؤون مطلبية معيشية أو بأمور تعني فئات محدّدة في المجتمع.
لذلك شكّلت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" حين تأسّست
أواخر العام 1995 حالة خاصة وجديدة، ثم جاءت حملة "بلدي بلدتي بلديّتي"
بعد عامين تقريباً لتنقل "الجدّة" هذه الى مرتبة أعلى عبر التشابك مع
جمعيات وهيئات وأفراد ووسائل إعلام، وعبر جمع التواقيع وتنظيم اللقاءات الأسبوعية
والتواصل المباشر مع الناس في الشارع. كلّ ذلك في حقبة كان لبنان فيها تحت وصاية
النظام السوري وتحكّمه بالتحالف مع القوى السياسية والطائفية اللبنانية الكبرى بمفاصل
الأمور جميعها في البلد.
ولعلّ تجاوب المواطنين قياساً بهذه
الظروف، وقياساً بشعور سائد مفاده انعدام الثقة بأي قدرة على التأثير أو التغيير،
كان جيداً ومشجعاً. وسمعنا من أشخاص أنهم بدأوا علاقتهم بنا بدافع الحشرية أو
الاستغراب: من هم هؤلاء؟ وما دوافع إصرارهم على هذه الحملة؟ وطبعاً كان هناك قدامى
عمل حزبي وقدامى حملات مواطنية حصلت في السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية، شجّعتهم
الحملة على العودة من جديد الى العمل العام ومعظمهم لعبوا أدواراً مهمة في رفد الأنشطة
التي نظّمنا بخبرات وبِصلات واسعة في بيئاتهم الاجتماعية. يبقى أن الطلاب والشباب
كانوا الأبرز حضوراً في الحملة، وهذا كان بذاته مصدر تشجيع كبير على المضيّ بها.
كيف تصفون تفاعل السلطة مع الحملة؟
كما كانت الحال مع "الجمعية
اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، تعرّضت الحملة لحملات تهويل وتشكيك
بصدقيّتها من قبل وزارة الداخلية ومن قبل بعض الأطراف السياسية. كما جرى تهديد
البعض كلامياً أو من خلال محاضر اجتماعات حكومية مسرّبة الى بعض الصحف. وفي أحد لقاءاتنا
الموسّعة بمشاركة شخصيات سياسية وثقافية في مسرح بيروت في عين المريسة، جرت محاصرتنا
من قبل القوى الأمنية وجرى إنذارنا بضرورة إخلاء المكان. لكن تضامن بعض السياسيّين
وحصانتهم وفّرت للاجتماع القدرة على الانعقاد والاستمرار ولو أن كثيرين يومها لم
يستطيعوا الوصول إليه.
حدّثنا قليلا عن النشاطات التي
كنتم تقومون بها، وما أبرزها؟
كما سبق وذكرت، تمحورت أنشطة الحملة
حول جمع تواقيع المواطنين والمواطنات المطالبين بإجراء الانتخابات واللقاءات
والندوات العامة والحوارات الإعلامية. بلغ عدد التواقيع المجموعةِ حوالي 100 ألف،
ونظّمنا أكثر من 300 ندوة وحلقة نقاش، كما عقدنا عشرات الاجتماعات التنسيقية مع
الناشطين في الحملة أو المهتمّين بدعمها ومؤازرتها. وأصدرنا نشرة شهرية فيها مواد
قانونية ومقالات وشهادات ومعلومات عن البلديات والمجالس الاختيارية وعن الحملة
وأنشطتها. وكانت لنا مشاركات عديدة في برامج إعلامية وفي تحقيقات صحافية، كما أننا
نظّمنا اعتصاماً في الشارع أمام المجلس النيابي كاسرين بذلك قرار حظر التظاهر
والتجمع اللا دستوري الذي كانت تعتمده السلطات منذ العام 1992.
بالنسبة للجمعيات الأخرى، ما كان انطباعها عن الحملة؟ هل قامت بالانضمام إليكم أم ماذا؟
الصيغة التنظيمية المرنة للحملة
وشفافيّتها والعلاقات الأفقية فيها سهّلت تفاعل الكثير من الجمعيات معها وتنظيمها وإياها
تجمّعات وندوات. الأهم أن نشاطات الحملة لم تكن مركزية في بيروت بل جلنا في كامل المحافظات
اللبنانية وعقدنا ندوات واجتماعات دورية في كل منها، حيث كانت تستضيفنا نواد محلية
ومراكز ثقافية وجمعيات بيئية وحقوقية ونسائية. ومن بين الجمعيات الكثيرة التي
تعاونت معنا أخصّ بالذكر "إتحاد المقعدين اللبنانيين".
هل تعتبرون أن الحملة حققت أهدافها
وكانت السبب
الذي أدّى لإجراء الانتخابات؟
حقّقت الحملة أهدافها الى حدّ بعيد
لجهة تسليط الضوء على الانتخابات المحلية ودفع جيلين من اللبنانيين الى الاهتمام بها،
ولجهة التأسيس لسابقة الحملات المدنية في مرحلة ما بعد الحرب. ولا شك أنه كان لها فضل
مهم في الدفع لإجراء الانتخابات بعد مماطلة وتأجيل ثم عودة عن التأجيل. لكن لا شك
أيضاً أن اعتبارات أُخرى سياسية لا علاقة مباشرة للحملة بها دفعت بدورها الى إجراء
الانتخابات العام 1998.
بالحديث عن هذه الحملة، ما هو برأيكم
وجه الشبه او الاختلاف بينها وبين حملة "البلدية نص البلد"؟
ثقافتا الحملتين وأهدافهما متشابهة.
ورداءة الطبقة السياسية ما زالت على حالها رغم الكثير من التطوّرات السياسية في
البلد وفي محيطه. الاختلاف يكمن برأيي في أمرين: تحوّل حملة "بلدي بلدتي
بلديّتي" الى كيان مستقل عن "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية
الانتخابات" التي أطلقتها؛ وفرادة التجربة وقتها – أي في حقبة التسعينات - في
ظلّ انعدام كل أثر لحملات تماثلها، في حين أن الكثير من الحملات قائم اليوم ولم
يعد هناك عنصر مفاجأة أو رمي لحجر في "مستنقع" على ما كنا نقول، بمعزل
عن مآلَي هذين الحجر والمستنقع...
كيف تختلف اليوم قدرة الحملة على التأثير بالرأي العام والضغط
على مؤسسات الدولة؟
أظنّ
الظروف السياسية والأمنية اليوم، إن لجهة الفراغ الرئاسي وتمديد المجلس النيابي
لنفسه ووضع الحكومة المضطرب، أو لجهة انشغال حزب الله في الحرب في سوريا دفاعاً عن
نظام الأسد وما يترتّب على الأمر من توتّرات واضطرابات أمنية في الداخل اللبناني
وعلى الحدود، أو لجهة أوضاع اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان والأحوال
الاقتصادية عامة في البلد، أو لجهة فضيحتَي النفايات والكهرباء والحراك المدني
الذي حاول التصدي للمسؤولين عنهما، تجذب اهتمام المواطنين وتغطية وسائل الإعلام
أكثر من حملة البلديات الجديدة. كما أن أوضاع المؤسسات التي ذكرنا والفراغ فيها أو
التمديد أو تصريف الأعمال أو التنازع المستمر بين المهيمنين عليها يجعلها أقلّ
عرضةً للتأثّر بأي حراك وأكثر تشنّجاً.
لكن
كل هذا لا ينبغي أن يوقف الحملة أو يحول دون تطويرها وتفعيل أنشطتها.
هل تعتقدون أن الانتخابات ستجرى في موعدها؟
لا أعتقد ذلك. لكنّي أتمنى أن
تخطّئني التطوّرات المقبلة.
زياد ماجد