وجّه
الزملاء في مجموعة "الجمهورية" نداءً
الى المعارضة السورية مطالبين إيّاها بعدم الذهاب الى مؤتمر جنيف الثالث، حيث يسعى ما يُسمّى
"مجتمعاً دولياً" الى تصفية القضية السورية ويتصرّف على نحو يؤّكد عقليّته
الكولونيالية، إن من خلال استمرار تدخلّ دوله الكبرى العسكري في سوريا بحجّة "محاربة
الإرهاب"، أو من خلال مواقف أطرافه المؤثّرة المعادية لحرّية السوريّين وكرامتهم
والمفضِّلة التعامل مع جهاز يضبطهم ويقتلهم منذ سنوات. وأشار النداء، المنشور
البارحة الثلاثاء، الى
افتقاد جنيف الثالث "أدنى مقوّمات العملية السياسية الحقيقية، إذ لا سياسة في
أن يُفرض على أحد طرفَي المباحثات المفترضة كل شيء، بما في ذلك كيفية تمثيله
لنفسه، في حين لا يُطلب من النظام أدنى إجراء لإثبات استعداده لعملية سياسية".
وقد
أيّد مثقّفون وناشطون سوريّون هذا النداء وكتبوا في وسائل التواصل الاجتماعي رسائل
تدعو لعدم المشاركة في المؤتمر المرعيّ أميركياً وروسياً. وليس جليّاً تماماً بعدُ
موقف المعارضة وداعميها الإقليميّين الثلاثة، السعودية وتركيا وقطر، من الموضوع،
خاصة أن ضغوطاً أميركيةً تُمارس عليهم لإلزامهم بالمشاركة والتخلّي عن شروطهم،
وأهمّها وقف الغارات الجوية والقصف ورفع الحصار التجويعي عن مناطق كثيرة والإفراج
عن معتقلين والتأكيد على مقرّرات مؤتمر جنيف الأول لجهة تشكيل هيئة حكم إنتقالي
(وليس حكومة وحدة وطنية)، إضافة الى عدم التدخّل بتشكيل وفد المعارضة من قبل روسيا
ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا.
السؤال
الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، إن جرى التوافق على رفض الذهاب الى المؤتمر، هو
ماذا ستخسر "المعارضة" وبماذا "سيعاقبها" الأميركيون؟
تميل
الإجابةُ الى اعتبار الخسائر من عدم الذهاب محدودةً بالنظر الى ما يُرافق المؤتمر
أصلاً من تطوّرات على الأرض، وبالنظر الى الخسائر السياسية الفادحة إن جرى الذهاب
ثم الدخول في "حوار" وِفق القواعد الروسية التي لا تُبدي واشنطن أي حزمٍ
في رفضها.
فعلى
الصعيد الميداني، لم يعد بمقدور أحدٌ التهديد بالمزيد من التدخّلات لصالح الأسد
بعد مضيّ أربعة أشهر على بدء العدوان العسكري الروسي، وبعد وصول العدوان الإيراني بواسطة
الميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية الى ذروته. وهذان العدوانان، الروسي
والإيراني، مستمرّان أصلاً بمعزل عن اجتماع جنيف في ظلّ ادّعاء موسكو، وصمت
الآخرين، أن للأمر صلةً بالإرهاب وأن قرار مجلس الأمن الأخير يَفصل "قتال
الإرهابيين" عن باقي السياقات الحربية.
وعلى
الصعيد السياسي، لن يكون هناك أسوأ من القبول بسياسيّين تسيّرهم موسكو بوصفهم
معارضين ذوي صدقية إلّا التشارك في حكومة "وحدة وطنية" مع بشار الأسد،
بما يمنحه أوسع مشروعية سياسية وأهمّ صلاحيات أمنية، في مرحلةٍ يعرف الجميع أن
الأجهزة العسكرية والأمنية فيها ستبقى - إن بقيَ الأسد ومن خلفه الروس والإيرانيين
- أدوات قتل وتعذيب للمعارضين ولعموم السوريين المتمرّدين.
أكثر
من ذلك، يمكن القول إن الذهاب الى جنيف من دون وقف النار (على الأقلّ) سيؤدّي الى
انقطاع الصلة بين المفاوضين السياسيّين ومعظم القوى المقاتلة على الأرض بما يجعل
أي اتفاقات بلا طائل ويزيد من تشتّت المعارضة.
لهذا
كلّه، وبعد تجربتَي جنيف الأولى والثانية وبعد تجارب لقاءات فيينا ونيويورك،
وبناءً على تجارب مريرة مشابهة (لا سيّما تلك التي خاضها الفلسطينيون على مدى
عقدين من الزمن)، لم يعُد لأي اجتماعات أو مفاوضات جديدة جدوى ما لم تكن شروطها
واضحة، وما لم يرافقها وقفٌ لجرائم الحرب ولانتهاكات مواثيق الأمم المتّحدة والقانون
الدولي الإنساني.
وفي
أي حال، يُفيد التفكير اليوم بالذات، بمناسبة الدعوة لجنيف وعشية الذكرى الخامسة
لانطلاق الثورة، في سبُل إطلاق حملة إعلامية كبرى في الصحف العالمية ووسائل
الإعلام للتركيز على ثوابت الكفاح السوري والدعوة لاعتصامات ومظاهرات داخل سوريا
وحول العالم رفضاً لمحاولات تحويل قضية السوريّين الى مسألة تقنية والى تغييب
كفاحهم خلف شعار "الحرب على الإرهاب" المقيت.
قد
يكون لاستحقاق جنيف الثالث فضل وحيدٌ هو إعادة التواصل بين مكوّنات سورية عدّة
وإطلاق نقاشات غابت في الآونة الأخيرة. ليُستفَد من الأمر إذاً، وليُقَل لا لإملاءات
موسكو ولِوضاعات كيري ودي مستورا وأضرابهما.
زياد ماجد