Tuesday, January 20, 2015

سيادة سوريا الأسد

قتلت إسرائيل قبل يومين عدداً من مقاتلي حزب الله وكوادره في محافظة القنيطرة جنوب سوريا. وقتلت معهم ضابطاً في الحرس الثوري الإيراني. وبحسب بيان النعي الصادر عن الحزب اللبناني، فقد كان عناصره المغدورون في "مهمةّ على مقربة من الجولان المحتلّ". أما بيان النعي الإيراني فذكر أنّ فقيده كان يقدّم "الدعم والمشورة للحكومة السورية ضد الإرهابيّين التكفيريّين".
بهذا، نستنتج من البيان الأوّل أن تواجد ستة مقاتلين لبنانيّين من حزب الله، بينهم أحد المسؤولين العسكريّين، وبينهم أيضاً ابن القائد العسكري السابق للحزب (الذي اغتيل في سوريا نفسها العام 2008)، إضافة الى عميد إيراني من الحرس الثوري، كان أقرب الى مهمّة "مقاومة" لقرب المُستهدفين جغرافياً من حدود الجولان المحتلّ. في المقابل، يُعلن البيان الإيراني أن الضابط المُستهدف كان في مهمّة دعم لنظام الأسد ضدّ خصومه "الداخليّين".

على أن الأهمّ من بيانَي حزب الله والحرس الثوري وتناقضهما في تحديد الدور الذي كان المقتولون يؤدّونه، هو صمت النظام الأسدي على خبر الهجوم الإسرائيلي واستهدافاته. والحقّ أن الموضوع "مُحرج" له، في صيغتيه. فأن يكون مفاده أنّ مجموعة لبنانية بقيادةٍ أو بتشارك قيادةٍ من إيراني كانت تحضّر لعمل "مقاوم" في الجولان المحتلّ منذ العام 1967 والهادئ منذ العام 1974، وتتصرّف كما لو أنها في أرضها وتملك دون سواها توقيت تنفيذ العمل وموضعه، ففي الأمر ما يجعله شاهد زور على خطبٍ لم يلجأ (في غير التهديدات الخطابية) الى ما يشبهه على مدى واحدٍ وأربعين عاماً. وأن يكون الأمر مرتبطاً بنشاطٍ يهدف الى مساعدته ضد خصومه الداخليّين، أي إنقاذه في مواجهة "العصابات المسلّحة" (على ما سمّى معارضيه منذ اليوم الأول للثورة)، ففيه ما ينتقص من قدرته على "الدفاع عن نفسه"، ويُحوّله الى مراقب لا جنود له حتى لمرافقة اللبنانيّين والإيرانيّين القادمين لعونه، والمُستهدَفين وحدهم - كما استُهدفت قوافل أسلحتهم في السابق داخل أراضيه – بالنيران الإسرائيلية...


بهذا، توجز واقعة العملية الإسرائيلية ضد موكب حزب إلهي - إيراني داخل سوريا الكثير في ما يخصّ التراجع الذي أصاب "سيادة" الدولة السورية بنسختها الأسدية الثانية على ما تبقى من أراضي تسيطر (نظريّاً) عليها وعلى القرار العسكري داخلها. وتجسّد كذلك التلاحم الحزب – إلهي الإيراني العابر لحدود أربعة بلدان، الفاتح إياها على بعضها: إيران والعراق وسوريا ولبنان. كما تُظهر مدى هشاشة الأحوال اللبنانية، حيث أبرز المشاركين في السلطتين التنفيذية والتشريعية في بيروت يخوض بالتحالف مع دولة أجنبية بعيدة (إيران) حرباً داخل دولة أُخرى قريبة (سوريا)، صارت تستهدف بحسبه دولة ثالثة (إسرائيل) تحتلّ أراض سورية. ويجري الأمر بالطبع، مع احتمالات تداعيات مباشِرة على لبنان لا خيار لمعظم اللّبنانيّين فيها ولا كلمة لهم في صددها.

هكذا، يتكرّس تحوّل "سوريا الأسد" الى ساحة مفتوحة لكثرة من اللاعبين الإقليمييّن والدوليّين يديرون أولويّات معاركهم فيها بعلمِ النظام وبغيرِ علمه. وهكذا يمضي حزب الله في ربط لبنان بصراعات دموية يُزيل عنفها الحدود بين كيانات المشرق بعلمِ الأطراف اللبنانيّين وبغير علمهم، وفي الحالين، بأكلافٍ قد يدفعون أثمانها جميعهم.
زياد ماجد