أصدر "الأمن
العام" منذ أيام (بتغطيةٍ من السلطات السياسية "التوافقية") قراراً
لتنظيم دخول المواطنين السوريّين الى لبنان ومنح "مستوفي الشروط" منهم
"سماتٍ" تتيح لهم الإقامة المؤقتة ربطاً بعملٍ أو دراسة أو طبابة أو
سياحة، أو تسمح لهم بمجرّد المرور لموعد في سفارة أو لسفرٍ عبر مطار بيروت.
ولوهلة، بدا القرار
"طبيعياً" في ما يخصّ تنظيم عبور الرعايا بين دولةٍ وجارتها. ولوهلة أيضاً،
بدا أنه يصدر عن مؤسسة أمنية في دولة تمارس السيادة على حدودها وتضبط الدخول
والخروج عبرها.
لكنّ التدقيق في القرار
وحيثيّاته وفي الوضع اللبناني – السوري يُظهر مدى تهافته و"لا طبيعيّته"
من جهة، ويُظهر تجاهله لمنظومات قانونية ولمعاهدات دولية من جهة ثانية.
فالرعايا السوريّون،
موضوع القرار، هم رعايا دولة مجاورة تعيش منذ أكثر من ثلاث سنوات حالة حرب
استثنائية الضراوة يشنّها نظام على شعبه. وهم – بمعزل عن أي موقف سياسي – ضحايا
عنف يدفعهم الى مغادرة منازلهم هرباً من القتل أو الاعتقال (المُفضي في آلاف
الحالات الى الموت جوعاً أو مرضاً أو تعذيباً). وهذا يعني أن منع دخولهم الى لبنان
أو عرقلة هذا الدخول الطارئ من خلال شروط مالية أو كفالات ووثائق وعقود، وكأن لا
حرب ولا مذابح ولا نزوح، هو مساهمة في التسبّب بالأذية لهم، وفي ذلك ما يتعارض مع
الكثير من القوانين الدولية ومع اتفاقيّات حماية المدنيّين ومناهضة التعذيب ومع
الأعراف المعمول بها في ما يخصّ اللجوء الإنساني.
إضافة الى ذلك، فإن
القرار قاصر في تعامله مع أولئك الذين سبق ودخلوا الأراضي اللبنانية قبل الخامس من
كانون الثاني الجاري. وهؤلاء يفوق عددهم المليون والمئتي ألف شخص، لا أكثر! فكيف
سيجري التعامل مع من لا يستوفون الشروط المذكورة في القرار الجديد عند تقدّمهم
بطلبات تجديد الإقامة؟ وماذا عن الذين دخلوا على نحو غير "نظامي" لأن
مرورهم على حواجز الجيش السوري كان ليعني توقيفهم وربما تصفيتهم؟ وماذا عمّن
سافروا من بيروت، مقرّ إقامتهم على مدى أشهر (أو سنوات) قبل القرار، ويرغبون
بالعودة الآن ولا يستطيعون ملاقاة متطلّبات "السِمات" الجديدة المفروضة؟
لا يمكن لقرارات تتعامل
مع "المسألة السورية" لبنانياً بوصفها شأناً إدارياً تقنياً أن تكون
حلّاً لأي مشكلة، ولا يمكن لها أن تتفادى مشاكل جديدة قد تطرأ. وهذا لا يعني أن لا
تنظيم مطلوباً لقضية في منتهى الأهمية والخطورة، هي قضية اللاجئين. لكن المطلوب هو
معالجات مركّبة، قانونية واقتصادية وسياسية، تُتيح منح إقامات تتجدّد سنوياً للسوريّين
والفلسطينيين السوريّين المقيمين حالياً فوق الأراضي اللبنانية، والبحث مع الدول
العربية ومع الاتحاد الأوروبي وصناديق الأمم المتّحدة في مساعدات عاجلة تُقدَّم
الى المناطق اللبنانية الفقيرة شمالاً وبقاعاً التي تحتضن الأعداد الأكبر منهم،
وإعادة البحث في قضية إنشاء مخيّمات مؤقّتة ولائقة للّاجئين غير القادرين على
تأمين المسكن بإدارة "المفوضيّة العليا"، وهي مخيّمات يمكن أن تكون
قريبة من الحدود، فتستوعب أيّ حركة نزوح جديدة؛ علماً أن النزوح في اتّجاه لبنان
هو أصلاً الى تراجع، بعد أن صارت خريطة المعارك تجعله أقرب الى الحدود التركية
والأردنية.
والمطلوب أيضاً هو بحث
سياسي جديد بين الأطراف اللبنانية المختلفة حول سبل التعامل مع المأساة السورية.
ذلك أن استمرار الانخراط اللبناني في القتال في سوريا، عبر الآلاف من عناصر حزب
الله، تخطّى حدود "الإيديولوجي - المذهبي" ليصبح مع الوقت قضية وطنية ينبغي
ألا تُسقَط من التداول عند البحث في مسألة النزوح السوري والتهجير. فثمة اعتداء
عسكري لبناني على الأراضي السورية وعلى طيف واسع من المواطنين السوريّين ينفّذه
حزب الله "الشريك" في السلطتين التنفيذية والتشريعية في بيروت منذ
سنوات. والاعتداء هذا فيه من الاضرار الراهنة كما المستقبلية الكثير، وهو أدّى
عمليّاً الى فتح الحدود بين البلدين وتشريعها على الحدود العراقية "المفتوحة"
بدورها مع سوريا.
في انتظار هكذا بحث، يبقى
تنظيم اللجوء السوري وأحواله الى لبنان أمراً لا يمكن لقرارات متسرّعة وقاصرة أن تتعامل
معه. ويُفيد لو تجتمع الهيئات الحقوقية اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان
لتبلور ردوداً عليه حمايةً للاجئين، وحمايةً للبنانيّين أيضاً من نتائج سياسات
"مسؤوليهم" غير المسؤولة...
زياد ماجد