عبّرت كثرةٌ من المقالات
والسجالات التي تلت عملية حزب الله في مزارع شبعا المحتلة عن مواقف متناقضة تغيب
عن معظمها السياسة أو الحصافة أو كلتاهما.
من هذه المواقف، تلك
التي رحّبت بالعملية واحتفلت بها وبالغت في توقّع تبعاتها، ثم استكانت لخيبةٍ
مفادها أن حرباً لم تقع وضحايا جدداً لم يسقطوا. والمحتفلون ثم الخائبون هؤلاء كانوا
يعدّون العدّة لدور يلعبونه في وسائل الإعلام وعلى "منابرهم"
الفايسبوكية وفي بعض المظاهرات، لكن عدم تدهور الأمور لجمهم وأعادهم الى مناطحتهم
الدورية للمؤامرات وطواحينها من دون لحم ودم يحتفون بهما.
ومن هذه المواقف أيضاً،
تلك التي استعادت فجأة خطابات "مقاومة" كانت قد أقلعت لبرهةٍ عنها، حتى
ليخال قارئها أن إسرائيل كانت تنفّذ الأسبوع الفائت اجتياحاً برّياً للبنان وتقصفه
براً وبحراً وجواً فيتصدّى لها بعض أهله دفاعاً عن بلداتهم ومدنهم. والأدهى، أن بعض
المهلّلين لـ"المقاومة" المذكورة كان يعطف على الأمر معارضةً لتدخّل حزب
الله في سوريا، وكأن "المقاومة" التي احتفى بها كانت مفصولةً عن المسألة
السورية وعن الثأر لجنرال إيراني ولعناصر من حزب الله قُتلوا خلال تدخّلهم
(المديد) في سوريا.
في المقابل، ظهرت مواقف
مضادة للموقفين المذكورين لا تقلّ عنهما رقاعة. منها مواقف تقوم على خطاب تشكيك – أي
على نظريّة مؤامرة – ترى في العملية "مسرحيّة" للتمويه على ما تُسمّيه
تحالفاً فارسياً إسرائيلياً. والبؤس في هذه المواقف لا ينفصل عن مقدار عال من
المذهبية مقصده الحكي عن تحالف ضمني شيعي إسرائيلي يفسّر "التصعيد
المحدود" و"تبادل الأدوار".
ومن هذه المواقف كذلك،
ما استند الى خطاب "تهكّم" بدأ باستبعاد احتمالات الردّ الحزب-إلهي، ثم
عمد الى "تحدّي" الحزب في أن يستمرّ بعملّياته، وكأن المسألة زجلٌ بلدي
أو مبارزة في ساحة الضيعة.
بهذا المعنى، تحوّلت
قراءة الضربة الإسرائيلية ثم الردّ عليها الى بازار آراء غاب عن معظمها أن الطرفين
تصرّفا وفق قواعد اشتباك متبدّلة نتيجة امّحاء الحدود اللبنانية السورية التي
عبرها آلاف مقاتلي الحزب اللبناني بأوامر إيرانية، وأن امّحاء الحدود
"الداخلية" مهّد لاحتمالات امّحاء "الحدود الخارجية"، أي تلك
الفاصلة مع المناطق التي تحتلّها إسرائيل في الجولان ومزارع شبعا. وغاب عن معظم
الآراء أيضاً أن الطرفين لم يرغبا بتصعيد شامل، كلّ لأسبابه، وأنّهما اكتفيا بتوجيه
رسائل عسكرية تُظهر هوامش التحرّك المرتبط بالوقائع الميدانية وأولويّاتها
وبالضوابط الأميركية الإيرانية.
يبقى أن التطوّرات
الأخيرة، وبمعزل عمّا رافقها من آراء، تدفع الى إعادة التأكيد على أولوية المطالبة
لبنانياً بانسحاب حزب الله من سوريا، والى ضرورة التركيز من جديد على ما سُمّي
يوماً "الاستراتيجية الدفاعية" وحصرية ملكية الدولة للسلاح ولقرارَي
الحرب والسلم. فمن دون ذلك، لا قدرة على فكّ ارتباط لبنان أمنياً بأهوال المنطقة،
ومن دون ذلك، لا يملك اللبنانيون إلّا أن يظلّوا متأهبّين ومتمنّين دورياً أن يكون
كلّ تصعيدٍ محدوداً وكلّ موقفٍ - لا شأن لهم ولـ"دولتهم" باتّخاذه – مضبوطاً
لا يجلب المزيد من البلايا.
زياد ماجد