Tuesday, February 24, 2015

بشير هلال

قلّةٌ هم اللبنانيّون والسوريّون في باريس الذين لا يعرفون بشير هلال، الكاتب اللبناني الذي رحل يوم أمس الاثنين في 23 شباط 2015. فالرجل وصل فرنسا بعد اندلاع الحرب اللبنانية، وكان يومها من المحامين اليساريّين المتناثرين عن الحزب الشيوعي. 
منذ وصوله، ثم طيلة الثمانينات، نشط هلال في أكثر من حملة مناهضة للحرب وللعنف الطائفي، وانتسب لأكثر من رابطة ونادٍ ثقافي، ثم صار اسمه مرتبطاً في التسعينات بمكتبةٍ في شارع "كاردينال لو موان" في الدائرة الباريسية الخامسة أدارها وجعلها ملتقىً لمثقّفين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وعراقيين، يجتمعون فيها وينتدون ويتحاورون بشؤونهم وشجونهم.

في العام 2004، انخرط هلال في إطلاق "حركة اليسار الديمقراطي"، وواكب من خلالها انتفاضة الاستقلال في آذار من العام 2005، وتحوّلت مكتبته مساءً الى مركز اجتماعات وسجالات واتفاقات واختلافات، وشهدت بعد اغتيال سمير قصير، تأسيسَه وعدداً من الكتّاب اللبنانيين والسوريّين والفرنسيين "جمعية أصدقاء سمير قصير" التي نظّمت أكثر من ندوة ومسيرة لإحياء ذكرى المؤرّخ والصحفي الشهيد.

بين العامين 2006 و2010 شارك بشير في جميع اللقاءات والاعتصامات المدافعة عن حرّية لبنان، كما شارك في جميع الأنشطة التي كانت المعارضة السورية مُمثّلةً يومذاك بـ"إعلان دمشق" تُقيمها في العاصمة الفرنسية. ومع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، صار بشير صديق السوريّين الدائم في أنشطتهم الباريسية وفي حواراتهم ونقاشاتهم التي رأى في حيويّتها لفترةٍ ما عوّض عليه تراجع الحيوية في العمل العام اللبناني.


كتب بشير عشرات المقالات في الصحافة العربية، لا سيّما في جريدة "الحياة"، وكتب كذلك تعليقات سياسية وخواطر أدبية في موقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك)، حيث كثُر أصدقاؤه ومتابعوه.
وكان يسعى في الأشهر التي سبقت وفاته المفاجِئة والمُفجعة - بسبب مرض عضال لم يكشف لأحد عن معاناته منه - الى إقناع مثقّفين لبنانيّين ببدء عريضة سياسية تتحوّل شعبية للمطالبة بانسحاب حزب الله من سوريا كشرط لبدء حوار وطني يقي البلد المخاطر التي يستجلبُها قتال الحزب اللبناني للسوريّين...

مثّل بشير في سيرته التي لم يُتَح له استكمال سنواتها ثقافة المواطنة والعلمنة اللبنانية المشتهاة. وكان في ليبراليّته السياسية لا يقطع مع خلفيّته اليسارية، إذ ظلّت العدالة الاجتماعية وحقوق الناس مسائل يدافع عنها، وينتخب في فرنسا بموجبها. وفي الوقت عينه، كان بشير يوازن بين وطنيّة لبنانية اكتشف مقوّماتها ومقتضياتها خلال غربته، وانتماء لقضايا عربية - فلسطينية وسورية بخاصة – أبقتهُ على تماس دائم مع مسألتي التحرّر والديمقراطية.

رحل بشير هلال في باريس بهدوء. لم يشأ البوح بوضعه الصحّي لأحد، ولم يشأ الإثقال على أحد. رحل بخفَرٍ وتهذيب يُشبهانه، وتجمّع حول سريره وحول زوجته ناديا وابنيه سلام وجاد جمعٌ من اللبنانيين والسوريين من أجيال مختلفة، تعرّفوا جميعاً إليه "مواطناً صالحاً" كان في حياة أُخرى ليستحقّ العيش طويلاً في "وطنه الحرّ" وسط "شعبه السعيد".

له الرحمة والسلام، ولذويه وصحبه الصبر والدفاع عمّا جمعهم به...
زياد ماجد