تشير تواريخ الأعوام 1976 و1990 و2010 الى مفاصل هامة في علاقة النظام السوري بالشأن اللبناني وتعقيداته.
- ففي العام 1976، اجتاح الجيش السوري لبنان تحت مظلة قوات الردع بغطاء عربي وبموافقة أميركية ورضى إسرائيلي.
رحّبت أحزاب الجبهة اللبنانية بالدخول يومها، كما رحّبت به حركة أمل إضافة الى حزب البعث وتنظيم الصاعقة الفلسطيني وغيرها من القوى المتقاتلة.
في المقابل، تصدّت للاجتياح الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط ومعظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتوهّم اليساران اللبناني والفلسطيني أن الصدام العسكري مع الجيش السوري كفيل بزعزعة النظام في دمشق نفسها وإنزال الهزيمة به.
ومع سيطرة القوات السورية على معظم المناطق اللبنانية ثم مع اغتيال كمال جنبلاط، استُهلّت مرحلة جديدة من الحرب اللبنانية هي مرحلة الانتقال من السياق الأهلي للاقتتال الى السياقات الإقليمية، وهذا ما سيستمر طيلة السنوات الأربع عشرة التالية.
- وفي العام 1990 حسم الجيش السوري الوضع نهائياً في لبنان منهياً تمرّد ميشال عون على اتفاق الطائف. وهو حصل على تفويض دولي إقليمي بإدارة الشأن اللبناني بعد مشاركته في حرب الخليج الثانية الى جانب الولايات المتحدة ومصر والسعودية ضد العراق، وبعد قبوله السير في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل عشية التحضيرات لإطلاق مؤتمر مدريد.
ورحّبت معظم "القوى والقيادات الإسلامية" يومها بهذا التفويض، وتردّدت تجاهه "القوى المسيحية" الأساسية (القوات والكتائب) التي سيتم إخراجها لاحقاً ولسنوات طويلة من الحكم منضمّةً بذلك الى التيار العوني، في مرحلة تهميش غير مسبوقة لمكوّن أساسي من مكوّنات الاجتماع السياسي-الطائفي اللبناني.
- وفي العام 2010، دخل الرئيس السوري لبنان بعد خروج جيشه منه قبل 5 سنوات إثر اغتيال رفيق الحريري وانتفاضة الاستقلال ونهاية التفويض العربي والدولي. دخل هذه المرة بغطاء سعودي ورحّبت بدخوله معظم القوى السياسية لأسباب مختلفة.
ومع أنه دخل من دون جيشه، إلا أنه جاء للبحث في دور له ضامن "للأمن والسلم الأهلي" على ما قيل، خاصة في حال وجّه القرار الظني للمحكمة الدولية التهمة بتنفيذ اغتيال الحريري الى أعضاء في حزب الله، حليفه اللبناني الأقوى، ونقطة التقاطع الاستراتيجي في حلفه الإيراني الإقليمي...
ماذا تكشف هذه التواريخ الثلاث؟
عدة أمور، تنطلق جميعها من ضعف الإجماعات الوطنية اللبنانية تجاه الخارج وتسطيحية الفهم لتطوّراته ولانعكاساتها السلبية على الساحة اللبنانية، تماماً كما تنطلق من حرص النظام السوري على التدخّل الدائم بمسار الأمور في لبنان أمنيّاً تارة وسياسياً تارة أخرى، وفي الحالين اتكاءً الى الهشاشة السياسية اللبنانية والى ما يسمّى المصالحات العربية والتفويض الدولي.
الطريف – والمحزن – أنه عقب الدخول الأخير ثمة من رحّب بالحدث على افتراض أن الأمر سيولّد تناقضاً بين دمشق وحزب الله. وهو بهذا لا يدري أنه يشبه في رهانه التبسيطي وفي عدم إدراكه لمؤدّياته إن تمّ، قوى اليسارَين اللبناني والفلسطيني في العام 1976 التي ظنّت أن فتح النار على الوحدات السورية الغازية كفيل بإسقاط البعث في دمشق. فكان لها ما كان...
أما الأكثر حزناً، فهو أن لبنان يبدو مرة إضافية عاجزاً عن إدارة أموره وعن إيجاد الحلول للأزمات الكامنة فيه أو المقبلة عليه، لأسباب قديمة لكنها تتّخذ في كل مرحلة عناوين جديدة.
زياد ماجد