يمكن القول إن مؤتمر السيد حسن نصر الله يوم الإثنين في 9 آب 2010 كان عبارة عن حملة إعلامية إستباقية موجّهة الى الرأي العام العربي، تماماً كما قال نصر الله نفسه في آخر اللقاء، للدفاع عن صورة "حزب الله"، عبر البوح بمقولة تدغدغ عواطف كثر من العرب وتقع عليهم وقع السحر: "إبحثوا عن إسرائيل، فهي خلف كل الجرائم والمؤامرات، واعرفوا أن اتهامنا من قبل المحقق الدولي (إن تمّ) هو انتقام من مقاومتنا، وهو بوحي من تل أبيب".
على أن إسرائيل، وهي فعلاً مسؤولة عن كمّ هائل من الاغتيالات والمجازر والفظاعات على مدى العقود الماضية، لم تبدُ البارحة (للأسف) مدانةً في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، على الأقل استناداً الى ما تقدّم به السيد نصر الله من أدلّة.
- فلا كشفه عن تحليق طيران الاستطلاع الاسرائيلي في الأجواء اللبنانية جاء مبعثاً على الدهشة، وطنين الطائرات المستبيحة هذه يرافقنا منذ السبعينات. ولا قوله في إنها تصوّر بلادنا بطولها وعرضها، بشوارعها ومنعطفاتها وكامل مرافقها أثار العجب، وطائرات الـ"إم- كا" والـ"إواكس" لم تُصنع لغير هذه الغاية في حالات الحروب – وهذه لعلمنا حالنا مع إسرائيل منذ نشوئها على أرض فلسطين قبل نيّف وستين عاماً.
- ولا التذكير بعملية انصارية وبالكمين المُحكم الذي تعرّض له الكومندوس الإسرائيلي بدا ذا معنى في سياق الربط بين إنزال معادٍ مهزوم في الجنوب عام 1997 وبين جريمة 14 شباط 2005 في بيروت.
- ولا في الإشارة الى تهليل مسؤولين وصحافيّين إسرائيليين لاحتمال اتّهام أعضاء في "حزب الله" باغتيال الحريري ما بدا مريباً. فما من عاقل يظنّ أن إسرائيل لا تتمنّى الشر للحزب ولا توفّر جهداً للتحريض ضده (على نحو ما قد تكون فعلت من خلال المُشار إليه في المؤتمر، أحمد نصر الله، في منتصف التسعينات، أي قبل عقد من الاغتيال).
- ولا استعراض عملاء أو متّهمين بالتعامل مع إسرائيل بدا متّصلاً بالموضوع-القضية. فمن لا يعرف أن لإسرائيل اختراقات في لبنان وعمليات إجرام وقتل راح ضحيّتها ألوف اللبنانيين؟ ومن ذا الذي يجهل هشاشة الساحة اللبنانية أمنياً، منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 ولغاية اليوم؟ لكن هذا شيء، واغتيالات محدّدة في أشخاصها وزمانها وإطارها السياسي والمعركة المرتبطة بها والاتهامات التي كيلت عشيّتها والوقائع المرافقة لها شيء آخر... وفي أي حال، كانت الدقّة تقتضي الإشارة الى أن جلّ العملاء المعروضين، وكما ظهر، استقطبتهم إسرائيل بين العامين 1990 و2004، أي أيام سيطرة النظام السوري على لبنان وتحكّمه بأمنه ليس من الجوّ وبواسطة طائرات التصوير فحسب (وللأخيرة اليوم في خدمات "غوغل" ما ينافسها)، بل وعلى الأرض أيضاً وبواسطة عشرات ألوف الجنود ورجال الاستخبارات والأعوان. فلعلّ مساءلة هؤلاء حول نجاح الاختراقات المعادية أيام سطوتهم لا تقلّ أهمية من التلميحات الى التقصير الأمني المُفترض اللاحق للعام 2005.
وربما كان مفيداً أيضاً في آخر المؤتمر لو سأل أحد الحاضرين السيد نصر الله، بعد إشارته المحقّة في بداية كلامه الى "سجن المخابرات السورية في عنجر" والى التعذيب فيه وما أسماه "طحن العظام"، عن أسباب اختياره اللاحق لأحد حكّام هذا السجن لتكريمه وتقديم بندقية المقاومة الإسلامية له عشية جلائه عن لبنان في 26 نيسان 2005. فكثر كانوا على الأرجح ليهتمون بالتبرير والجواب
عسى ألا تحمل لنا الساعات القادمة تخاطباً تخوينياً جديداً في البلاد، وألا تنهال على كل من لم يقتنع بمضمون مؤتمر السيّد تُهم "الخيانة" والدفاع عن إسرائيل وسواها من لوازم الهجاء وعدة النصب والشتم المنتشرة بكثرة هذه الأيام.
زياد ماجد