يُبرِز السجال الدائر حول "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان"، بمعزل عن صحة التسريبات حول توقيت القرار الظني الذي سيصدر عن المدّعي العام ومحتوى هذا القرار ووجهته الإتهامية، ثلاث قضايا يُفيد التوقف عندها لإظهار المدى الذي بلغه التأزّم في الثقافة السياسية السائدة وخطابها
القضية الأولى هي قضية "وضع المحكمة في مواجهة السلم الأهلي"، أي جعل مبدأ تقديم خلاصات التحقيق والاستقصاء والتحليل القانوني الى قضاة ومحامين ولجان اختصاص علمي رديفاً للفوضى والاقتتال. وهذا، في ما يتخطّى الاعتبارات اللبنانية والإقليمية وما فيها من اتّهامات ونظريّات مؤامرات لا تنضب (وسنعود إليها)، يُصيب فلسفة القانون في صميمها. فالأخيرة بُنِيَت تحديداً لإحقاق شكل من أشكال العدالة يمنع الفوضى وعمليات الثأر ويضبط ردود الفعل الغريزية جاعلاً أقواس المحاكم منابر للإدانة والعقاب أو للتبرئة ورفع المظالم. أما وأن يجري تحويلها الى محل للمقايضة والتهديد بالعواقب الوخيمة، فالقضية رسالة خطيرة مفادها تكريس حصانة القتلة، وحجب الحق عن الضحايا باللجوء الى المحاكم، كي لا تُخرب بيوتهم وينهار عمرانهم.