Sunday, November 17, 2024

هل يمكن الحديث اليوم عمّا بعد حرب غزة؟

تَطرح أدبيّات رائجةٌ في علوم السياسة و"حلّ النزاعات" آلياتٍ وديناميّات مختلفة لوقف الحروب أو الصراعات المسلّحة، وتقترح مساراتٍ ومصالحاتٍ أو تسويات أو إعادة إعمار أو إدارة انتقالية للمناطق التي حلّت بها نكبات أو كوارث إنسانية بسبب القتال والتدمير والخراب. ويزعم المدافعون عن هذه الجوانب والمروّجون لها أن التعامل مع تحدّيات "اليوم التالي" للصراع هو المنطلق السليم الوحيد لتجنّب تكرار الظروف التي تُفضي الى تجدّده أو الى صراعات أُخرى قد تتناسل منه.

غير أن مسائل "اليوم التالي" وسبل حلّ النزاعات ومساراتها تفترض بالضرورة أموراً ليست أطرافُ كثرةٍ من الصراعات في عالم اليوم معنيّة بها. فهي تفترض مثلاً أن مؤدّى كل صراع هو إقرار أحد أطرافه باحتمال هزيمته، وسعيه بالتالي للتفاوض قبل الانكسار أو الاضطرار لاحقاً للقبول بشروط تزداد مع مرور الوقت سوءً. وهي تفترض أيضاً "عقلانية" في سلوك الأطراف المتصارعة وداعميها يجعلها تقبل في لحظة معينة بوقفَ القتال والنيران حمايةً لمقدّرات اقتصادية وحربية وبشرية. وهي تفترض كذلك قناعة لدى المتصارعين مفادها أن الكيانات بجغرافياتها أو المشاريع السياسية أو المجموعات الإثنية التي يدافعون عنها أو يسعون "لتحسين ظروفها" غير مهدّدة بالزوال أو بالقضم إن ساوموا أو قبلوا بتسويات تُنهي الصراعات المسلّحة المرتبطة بها. وهي تفترض أخيراً إلماماً بأسباب الصراع وأوجهه وبأهداف المتصارعين القصوى وتلك التي يمكن القبول بها، كي تُطرح المبادرات على أساسها، وينطلق العمل التسووي والتفاوضي لإيجاد الحلول وتسويقها.

وكل هذا يدعونا للتدقيق بمشروعية الطرح الذي يُروّج له راهناً حول "اليوم التالي" في غزة، أو حول ما بعد حرب غزة، ويدعونا للبحث كذلك في أهدافه.

على مدخل الضاحية

لا شيء يفصل الضاحية الجنوبية عن بيروت. لا حدائق ولا مصانع ولا مواقف باصات. تدخل إليها من أطراف العاصمة عبر زاروب أو مفرق مفاجئ قرب محطة بنزين، أو تنفذ نحوها بين مسجد أو حسينية ومحل تصليح سيارات. تراها ممتدّة بموازاة طريق المطار، وتعبر مداها البحري، بعد منطقة الجناح في محلّة الأوزاعي، حيث تحوّل المؤقّت الى دائم، وحيث الدائم يبدو بين الحين والآخر مُقبلاً على مشاريع لا تتحقّق.

لا شيء يفصل الضاحية الجنوبية عن بيروت. لكنّها ظلّت على الدوام "الضاحية". ذلك المكان الذي توسّع ببطء على مدى عقدين قبل الحرب الأهلية، لتتسارع إيقاعات توسّعه بعد اشتعالها، ويصبح النزوح الجنوبي العظيم إليه واقعاً فرضته الاجتياحات الإسرائيلية ابتداءً من العام 1978.

هكذا، جمعت الضاحية خلال نصف قرن "سكاناً أصليين" (ولاجئين فلسطينيين) بنازحين اقتصاديين من الجنوب والبقاع وبمُهجّرين من العمق الجنوبي احتلّت إسرائيل وعملاؤها قراهم ومدنهم، فكانت عودتهم إليها لاحقاً عودةً صيفية أو موسمية، لا تعوّض مقام الضاحية وألفة شرفات مبانيها وكثافة بشرها وكراسي البلاستيك البيضاء المنتشرة أمام متاجرها ومحلات السندويشات فيها.

كامالا هاريس ودونالد ترامب: الخيار بين السيّئة والأسوأ

تجري يوم الثلاثاء المقبل في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يصعب حتى الآن التكهّن بهوية الفائز فيها. ذلك أن كتلتين تتواجهان وتتساويان حجماً وتعبئة: كتلة قوامها الأساسي ملوّنون وسود من شرائح اجتماعية مختلفة وبيض مدينيّون متعلّمون ونساء يدافعن عن حقّ الإجهاض، وهم يشكّلون أكثريات سكّانية في الساحلين الغربي والشرقي الشمالي وفي معظم المدن الأمريكية الكبرى والمتوسّطة، وهؤلاء يدعمون مرشّحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس؛ وكتلة من البيض منخفضي المستوى التعليمي، ومن أثرياء داعمين لتخفيض الضرائب والانفاق الاجتماعي، ومن المحافظين المسيحيين المعادين للإجهاض وللخطاب النسوي، وهؤلاء أكثريات سكّانية نسبية في الولايات الجنوبية وفي ولايات الوسط وبعض ولايات الشمال حيث تتّسع الشرائح الريفية أو العمّالية الصناعية الدنيا التي عصفت بها التحوّلات الاقتصادية في العقود الماضية، وهم يصطفّون خلف دونالد ترامب الذي سيطر على الحزب الجمهوري وفرض رعباً على معارضيه فيه.

وتتموضع بين هاتين الكتلتين كتلة ثالثة، من خليط سكّاني طبقي وجيليّ ومناطقي وجنسيّ ومن أصول مختلفة، متردّدة وغير متجانسة، وتحاول كل حملة اجتذاب أكبر عدد من مكوّناتها إليها.

Sunday, October 20, 2024

ممانعون وخصوم لهم يتشابهون ويتقاذفون البديهيات

رغم مرور عام على بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، غير المسبوقة التوحّش في العالم منذ فظاعات النازية قبل سبعين عاماً، ورغم اشتداد الحرب الإسرائيلية على لبنان وارتكاب تل أبيب جرائم الحرب الدورية فيه، بموازاة حربها التوسّعية الهادفة الى ضمّ الضفة الغربية المحتلة (وهذا هدفها الأول اليوم ومنذ سنوات)، ما زال المشهد السياسي والثقافي العربي يخضع لسطوة نفس المقولات، وبعضها في الأصل متداول ومكرّر منذ عقود. 

فمن ناحية، ثمة خطابات مجترّة لا تغيّر فيها المآسي والتدمير وسقوط عشرات ألوف الضحايا وتشريد الملايين. ويبدو في مقولاتها أن "محور الممانعة" يسجّل الانتصارات الواحد تلو الآخر، وأن الاقتصاد الإسرائيلي على مقربة من الانهيار، ومثله الكثير من مؤسسات الدولة المعادية.

وثمة من ناحية ثانية خطابات مضادة، جلّها متوقّعة قراءته عند كل حرب أو حدث جلل، تعدّ الإشارة الى توحّش إسرائيل بداهة لا يفيد الركون إليها أو تكرار ذكرها، وترى في المقابل أن المسألة تكمن في أدوار قوى مثل حماس وحزب الله التي "تستدرج العدوان" وتتحمّل مسؤولية تبعاته، داعية الى تسليط الضوء على أعطاب المجتمعات العربية وهشاشة دولها.

Sunday, October 6, 2024

كيف أوهنت الحرب السورية والذكاء الاصطناعي حزب الله

بعد شهور طويلة من تبادل القصف عبر الحدود، ورغم الفوارق الكبيرة في الخسائر البشرية والمادية بين حزب الله والإسرائيليين، ظلّ الحزب اللبناني متوازناً في إدائه العسكري ضمن قواعد اشتباكٍ تمسّك بها تجنّباً لحرب واسعة لم يُرِدها يوماً.

فما الذي جرى في شهر واحد لتتغيّر المعادلة المذكورة ويتعرّض الحزب لضربات أصابت الآلاف من عناصره واستهدفت بنجاح جميع قياداته وصولاً الى أمينه العام، ودمّرت بلا خشيةٍ من ردوده المُفترضة عشرات القرى الجنوبية والأحياء السكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وطالت بلدات ومدناً في البقاع والجبل وصولاً الى الشمال؟

وهل ما زال الحزب قادراً على الاستمرار في المواجهة والقتال؟

Sunday, September 22, 2024

الياس خوري، الراوي والرواية

(الى يامن...)

 

كثيرة هي سيَر الياس خوري.

فالرجل الذي التقيتُه العام 1994، وكان مديراً لـ"مسرح بيروت" ورئيسَ تحريرٍ لـ"ملحق النهار الأدبي"، لم يتوقّف يوماً عن العمل والمبادرة والكتابة منذ شبابه المبكر.

كأنه كان في سيَره روايةً مستقلّة عن راويها، أو بالأحرى كأنه كان في سيَرِه، روايته المكتملَة المشتهاة.

من الشبيبة الأرثوذوكسية والمطران جورج خضر، الى حركة فتح وكتيبتها الطلابية أواخر الستينات، الى الدراسة في الجامعة اللبنانية ثم في فرنسا، الى مجلة "مواقف" ثم الحرب الأهلية ومجلّة "شؤون فلسطينية" مع محمود درويش، الى جريدة "السفير" التي تولّى تحرير صفحتها الثقافية قبل أن تُخرجه تبعات حرب المخيمات العام 1985 وهيمنة النظام السوري على "بيروت الغربية" ثم على كل لبنان تدريجياً منها، وصولاً الى "مسرح بيروت" و"ملحق النهار" في التسعينات، تتابعت سيَر الياس وعجّت حقباتها بالأشخاص والأحداث الجسام.

بموازاة ذلك، كان الروائي يبني تجربةً تتوالى فصولها، وتتعدّد أشكالها ومضاميرها، ولَو أنها اتخّذت على الدوام من فلسطين وقصص نكبتها، ومن حرب لبنان وجغرافيتها ومن أبطالها ولصوصها، ومن عوالم الأحلام والكوابيس والشعر العربي الذي حفظه عن ظهر قلبٍ أرضاً لها وفضاءً، تعدّدت نجومه تَعدُّد صداقات الياس وأمزجته وأهوائه وخساراته الشخصية.

Wednesday, September 11, 2024

حروب فلسطين والمنطقة العربية والمواقف من الأعداء والحلفاء

يشهد "الشرق الأوسط" حروباً متعدّدة ومتداخلة في رقعها الجغرافية وفي تعدّد الفاعلين وكثرة الجبهات التي ينخرطون فيها.

الحرب الأولى، هي حرب إسرائيل على الوجود الفلسطيني، المستمرّة منذ 77 عاماً، والمتصاعدة بعد العام 2021 والمتحوّلة منذ أحد عشر شهراً في غزة الى "حرب إبادة". 

الحرب الثانية، هي حرب التوسّع الإيراني، بعد العام 2003 تحديداً، المستغلّة صراعات أهلية وتصدّعات وطنية في العراق، حيث استفادت أيضاً من نتائج الغزو الأمريكي، وفي سوريا ولبنان واليمن، لبسط سيطرة جزئية أو هيمنة لطهران عبر حلفاء أقوياء في مواضع استراتيجية توصلها الى البحر المتوسّط وباب المندب وحدود إسرائيل.

الحرب الثالثة، هي حرب الاستبداد أو حرب الثورات المضادة المُفضية ابتداءً من العام 2011 الى انقلابات واغتيالات واعتقالات طالت عشرات الألوف من البشر، في البحرين ومصر وتونس، وأدّت الى نزاعات مسلحة طاحنة لم تنتهِ بعد في ليبيا والسودان. تدخّلت في هذه الحرب مباشرة أو من خلال قوى محلّية الإماراتُ والسعودية، بعد أن كانت قطر وتركيا، وأحياناً أمريكا ودول أوروبية، دعمت لفترة عدداً من الثورات أو محاولات التغيير لأسباب تخصّ أجنداتها الإقليمية والدولية.

الحرب الرابعة، المتقاطعة مع الحربين الثانية والثالثة، هي حرب النظام السوري على أكثرية السوريين، وهي حرب تبدّلت فيها أدوارٌ وتغيّرت بعض التحالفات، وأدّت الى تدمير البلد وقتل وتهجير واعتقال أكثر من نصف سكّانه، واحتلال أراضيه المفتّتة من قبل روسيا وإيران وأمريكا وتركيا، إضافة الى استمرار احتلال إسرائيل لجولانه.

وتخترق ديناميّتان بعض هذه الحروب بأشكالها ومستوياتها وتحالفات المشاركين فيها على تعدّد مواقعهم واختلاف حساباتهم: دينامية صراع إيراني إسرائيلي يرتبط بملّف طهران النووي؛ ودينامية صراع إيراني سعودي من جهة وإماراتي سعودي قطري تركي من جهة ثانية، يرتبط كلّ منهما بقضايا توسيع النفوذ وإرساء المعادلات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

Tuesday, August 27, 2024

الخارج والداخل وحرب الإبادة

شكّلت ثنائية الداخل والخارج في التحليلات العربية الساعية الى شرح أزمات وصراعات وإخفاقات وهزائم منطلق فرز بين معظم التيارات السياسية والأفراد المشتغلين في الكتابة منذ أكثر من نصف قرن.

وانقسم أغلب المعنيين فيها بين دعاة تحميل الخارج بتدخّلاته و"مؤامراته" مسؤولية الانتكاسات والفشل من دون بحث جدّي في أعطاب الداخل وسطوة الاستبداد القابض عليه وهشاشة الكثير من بناه المجتمعية والثقافية، وبين دعاة تحميل الداخل جلّ المسؤولية وجعل مسائل الخارج نسبية أو أقلّ تسبّباً بالمعضلات والكوارث القائمة والمتفاقمة منذ عقود.

قلّة قليلة كانت وما زالت لا تُقيم مفاضلة أو تُعمِل في هذا الباب فصلاً صارماً (واعتباطياً) بين داخل وخارج، إذ لا يمكن في الحالة العربية (كما في حالات كثيرة)، منذ اكتشاف النفط ثم تأسيس إسرائيل من ناحية، وبسبب الموقع الجغرافي للمنطقة (بين آسيا وأفريقيا وأوروبا) من ناحية ثانية، فصل إشكاليات الاستبداد والقمع والانقلابات العسكرية والتخلّف الاقتصادي والتشدّدين الديني والقومي وتوظيفهما سياسياً عن قضايا التدخّل الخارجي والاحتلال والحروب وموازناتها وعن تداعيات ثقافة الريع النفطي وتحالفات القائمين عليها. وليس من المستغرب أن هذه القلة تحوّلت مع الوقت الى هدف هجمات طرفَي الثنائية المذكورة. فهي بالنسبة لدُعاة "مؤامرات الخارج" من مُمانعين و"مُعادين للإمبريالية" تشذّ عن تصنيفهم الناس بين "شرفاء" و"عملاء"، بما يجعلها منطلق ارتباكهم ومحطّ كراهيتهم المضاعفة. وهي بالنسبة لدُعاة مسؤولية "الداخل" عن استجلاب المصائب عصيةً على التنميط الذي يتمنّونه بدورهم، والذي غالباً ما يُسقط قضايا جوهرية من حسابه ليسهّل بناء منظومته الفكرية. 

Tuesday, August 13, 2024

عن بعض الكتابات العربية حول حرب غزة

كُتب الكثير عربياً عن الحرب الإسرائيلية المستمرّة منذ عشرة أشهر ضد الفلسطينيين في غزة، وسيُكتب الكثير عنها أيضاً في الأشهر المقبلة.

النص التالي يتناول ثلاث قضايا تُثار على نحوٍ متسرّع، في حين أن النقاش الرصين حولها وحول مؤدّياتها قد يكون ضرورياً لتوضيح المواقف وفرزها.

القضية الأولى هي قضية البعد الحقوقي أو التعريفات القانونية لخصائص الحرب الدائرة، مع ما لها من مترتّبات وتداعيات. ذلك أن عدّة مستجدّات طرأت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. فلأوّل مرة في تاريخ الصراع في فلسطين، تُحاكم إسرائيل (التي حظيت منذ تأسيسها بحصانة تامة تجاه الانتهاكات التي ترتكبها) أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية". والجريمة المذكورة، وهي حالة الفظاعة القصوى في سلّم الجرائم المُعرّفة بموجب معاهدات القانون الدولي الإنساني، نادراً ما اتُّهِم أو يُتّهم طرفٌ بارتكابها (حصل الأمر "رسمياً" مرّة واحدة فقط بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في رواندا، واعتبره البعض قائماً كذلك في البوسنة من دون أن تتبنّى الأمم المتحدّة ذلك). يُعطف على الأمر أن حجم التوثيق لما يجري، لجهة المواد البصرية وتكنولوجيا الخرائط وداتا المعلومات وجمع الأدلّة على الجرائم والمسؤولين عنها، غير مألوف في تاريخ الصراعات، وأولى نتائجه اضطرار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الطلب الى قضاة المحكمة إصدار مذكّرات توقيف بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (وهو ما طلبه أيضاً في ما يخصّ ثلاثة من مسؤولي حركة حماس، ممّا فاقم من الغضب الإسرائيلي إذ عدّت تل أبيب أنه ساوى بينها وبين ميليشيا تصنفّها "إرهابية"). يضاف الى ذلك، حسمُ محكمة العدل الدولية مسألة لا شرعية الاحتلال والاستيطان وتأكيدها أن النظام الاسرائيلي المفروض على الأراضي المحتلة هو نظام تمييز عنصري "أبارتايد"، وهو المعدّ في القانون الدولي "جريمة ضد الإنسانية". 

Wednesday, July 17, 2024

الكتل الناخبة الفرنسية والمأزق الديمقراطي

بعد نتائجِ الانتخابات البرلمانية الأوروبية في 9 حزيران/يونيو 2024 التي حصلت فيها لائحتا اليمين المتطرّف الفرنسي على 31 من أصل 80 مقعداً مخصصة لفرنسا (وفق كوتا تتبع الأحجام الديموغرافية لبلدان الاتحاد الأوروبي)، وبعد حلِّ الرئيس إيمانويل ماكرون البرلمان الوطني في اليوم التالي لصدور النتائج الأوروبية ودعوته لانتخابات فرنسية مبكرة، جرت هذه الانتخابات التشريعية على دورتين (في 30 حزيران/يونيو و7 تموز/يوليو 2024) وأعادت رسم المشهد السياسي في فرنسا مظهّرة ديناميات سياسية واجتماعية جديدة ستجعل الحكم المستقرّ في البلاد متعذّراً لفترة غير قصيرة.

Sunday, June 30, 2024

حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها

تتواصل منذ الثامن من تشرين الأول - أكتوبر 2023 الحرب بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، بموازاة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.

وتتراوح العمليات الحربية بين القصف الصاروخي والغارات الجوية وإطلاق المسيّرات وعمليات الاغتيال. وهي أدّت لغاية 21 حزيران - يونيو 2024 (بحسب "داتا مشروع الصراعات المسلّحة وأحداثها" الذي نشرت "الجزيرة" بياناته بالإنكليزية( الى مقتل 543 شخصاً على الجانب اللبناني (بينهم حوالي 400 عضو ومسؤول في حزب الله) في 6142 هجمة إسرائيلية، و21 شخصاً على الجانب الإسرائيلي (معظمهم من الجنود) في 1258 هجمة شنّها حزب الله. كما أدّت الى دمار هائل في قرى وبلدات لبنانية حرق الجيش الإسرائيلي أراضٍ زراعية محيطة بها بالفوسفور الأبيض وهجّر منها حوالي الـ80 ألف شخص. في المقابل، أصابت نيران حزب الله العديد من المواقع العسكرية الاسرائيلية، كما ضربت عدداً من المستعمرات والمدن وفرضت على 90 ألفاً من سكّانها النزوح.

وتخطّت الصواريخ والغارات حدود لبنان ووصلت الى سوريا، حيث أغارت إسرائيل على مواقع لحزب الله وخطوط إمداده هناك، في حين استخدم الحزب منصّاته القريبة من الجولان المحتل ليردّ منها على الإسرائيليين.

Sunday, June 23, 2024

التشظّي السياسي الفرنسي وأزمة الحكم المقبلة

لم ينتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كثيراً بعد نتائج الانتخابات الأوروبية الكارثية لحزبه الأسبوع الماضي، ليعلن حلّ البرلمان الفرنسي والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة. أدّى الأمر الى مباغتة معظم القوى السياسية، بما فيها تلك الموالية له، وفتح الباب أمام احتمالات عديدة، تُظهر جميعها أن فرنسا مرشّحة للدخول في أزمة حكم سيصعب الخروج منها في الأشهر المقبلة. 

Sunday, May 19, 2024

لبنان بين الحرب وتراجيديا اللاجئين والتطبيع مع الانهيار

يعيش لبنان منذ أكثر من سبعة أشهر حالة حرب مُعلنة، قتلت المئات من أبنائه ودمّرت أحياء في قرى وأحرقت بالفوسفور الأبيض أراضيَ زراعية في جنوبه، ملوِّثةً التربة لسنوات طويلة مقبلة. وهي هجّرت فوق ذلك أكثر من ثمانين ألف شخص، مُنهية العام الدراسي لجيل كامل من التلامذة المغادرين قراهم الحدودية. 

على أن الحرب هذه، بين إسرائيل وحزب الله، تبدو في أغلب الأحيان، إن راقبها الواحد من خارج البلد أو من مناطق داخله بعيدة قليلاً عن مسرح عمليّاتها المباشر، وكأنها تدور في بلدٍ آخر. كأن شريط الجنوب الحدودي والمساحات المتاخمة له في مكان لا صلات عضوية لباقي لبنان بها أو لا تماس حياتياً مع أهلها، رغم أن أبعد نقطة في البلد الصغير عن الحدود الجنوبية بالكاد تتخطّى الـ200 كيلومتر.

Monday, May 6, 2024

الحرب الأخيرة أو الكتابةُ في مواجهة الإبادة

"هُنالك مَوْتى ينامونَ في غُرفٍ سَوْفَ تَبْنونَها. هنالك مَوْتى يَزورون ماضيَهُم في المَكان الّذي تَهْدِمونْ. هنالك مَوتى يمرّون فَوقَ الجسورِ […]. هنالِك مَوتى يُضيئون لَيْل الفَراشات، مَوْتَى يجيئونَ فَجْرًا لكي يَشْربُوا شايَهم مَعَكُم، هادِئينْ كما تَرَكَتْهمْ بنادُقكُم. فاتركوا يا ضُيوفَ المَكانْ مَقاعَد خاليةً للْمُضيفينَ، كي يَقْرأُوا عليكُمْ شُروطَ السّلامِ مَعَ المَيّتين!" – محمود درويش، خطبة الهندي الأحمر، 1992.

بمقتطفات من هذه القصيدة الملحمية، ختم الياس صنبر، الكاتب والمترجم ومؤسس "مجلة الدراسات الفلسطينية" بالفرنسية وسفير فلسطين السابق في اليونيسكو، كتيّبه المعنوَن "الحرب الأخيرة؟"، الصادر في نيسان/أبريل 2024 عن دار غاليمار في باريس.

والكتيّب أو المنشور، عرضٌ مكثّف ومركّب في 45 صفحة لملامح الحرب الدائرة في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، واستذكار لحقبات ومراحل من كفاح الفلسطينيين الطويل في مواجهة الإبادة: الإبادة السياسية التي شكّلت النكبة العام 1948 قوامها وبنى الصهاينة قبلها ثم على أساسها فكرة نفي وجودهم كشعب مقيم فوق أرضه. والإبادة الجماعية التي تُنزلها بهم إسرائيل اليوم في حربها المتواصلة منذ 7 أشهر، وسط حملات دعائية تنزع عنهم الأنسنة وتشكّك بمعاناتهم وبأرقام ضحاياهم وبالمصطلحات القانونية الواجب استخدامها لتوصيف ما يتعرّضون له من تدمير ومجازر وانتهاك وتهجير.

Monday, April 22, 2024

القبول بمواجهة محدودة مع إيران لاستكمال المذبحة في غزة

تثير المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران، وما تخلّلته حتى الآن من هجوم إيراني على إسرائيل ليل 13 – 14 أبريل الجاري ردّاً على قصف القنصلية في دمشق ومن عملية إسرائيلية استهدفت قاعدة جوّية إيرانية في أصفهان ليل 18 – 19 من الشهر ذاته، العديد من الملاحظات، وتطرح سؤالاً أساسياً: هل ستوظّف إسرائيل الدعم الغربي المتجدّد لها بعد أن تحوّلت الأنظار عن غزة نحو الجبهات الإقليمية المختلفة والخشية من انفجارها، لتسرّع حرب الإبادة وتجتاح رفح؟

ثمة مؤشّرات تدفع للميل لهذا الافتراض.

فالواضح أن طهران وواشنطن لا تريدان التصعيد إقليمياً. وتل أبيب التزمت مرحلياً بالسقف الأمريكي، لكنها تجهد في المقابل لتقليص الاشتراطات والضغوط عليها كي تسير في تنفيذ عمليّتها في جنوب القطاع.

Monday, April 15, 2024

تهافت السياسة في لحظة الإبادة

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، تراجعت السياسة الى أدنى مستوياتها. فمن ناحية، تحوّل القتل اليومي والتعذيب والتدمير الشامل الى هدف إسرائيلي وحيد، تُسخَّر الموارد المالية والعسكرية والتكنولوجية والدعائية والديبلوماسية لتحقيقه والدفاع عنه ونفي تفاصيله ومفاعيله تارة أو تبريرها تارة أخرى. ومن الناحية المقابلة، صار الخلاص من الإعدام الفردي أو الجماعي الأمل الذي يتمسّك به المدنيون الفلسطينيون، والنفاذ من الاستئصال والدفاع عن الوجود ما يصبو إليه المقاتلون. وفي الحالتين، حالة القتل أو حالة السعي للإفلات منه، لا حيّز واسعاً للسياسة أو للخيارات السياسية وللبحث في تفاصيلها واحتمالاتها.

Sunday, March 24, 2024

منطقة اهتمام بين فلسطين وسوريا والشرط الإنساني

 يثير فيلم "منطقة اهتمام" للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر، الحائز على جائزة أوسكار هذا العام، ضجة كبيرة بين الكتّاب والعاملين في حقول الثقافة والسينما في بريطانيا وأمريكا، ليس لمضمونه أو لفكرته أو لسياقه أو لتركيب شخصياته، بل لما قاله مخرجه عند تسلّمه الأوسكار.

فغلايزر (اليهودي المولد) اعتبر أن فهم فيلمه لا يتمّ عبر اعتباره يُعالِج ماضياً أو فظائع تاريخية فقط، بل تنبغي مشاهدته أيضاً على أساس أنه يرتبط بما يجري اليوم في غزة. وعبّر عن رفضه توظيف "الهولوكوست" لتبرير الحرب الدائرة ونزع الأنسنة وارتكاب الجرائم.

وقد ردّ عليه في بيان مشترك أكثر من ألف شخصية سينمائية عرّفت عن نفسها كشخصيات يهودية، رافضة المقارنة التي اعتبرت أنه أجراها بين المحرقة النازية وبين الحرب في فلسطين منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

في المقابل، دافع عن غلايزر مثقفون ومنظمات يهودية يسارية، اعتبروا أن رفض مجابهة الماضي بالحاضر والسعي لمصادرة ذاكرة "الهولوكوست" ما هي إلا محاولات للتعمية على الجرائم و"على حرب الإبادة" التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وكتبت نعومي كلاين، الصحافية والجامعية النسوية الكندية، مقالاً ثاقباً في صحيفة "الغارديان"، قارنت فيه بين اعتياد الناس على العيش على مقربة من الإبادة الجماعية التي يعرفون بوقوعها (يفصلهم عن هولها جدار)، كما صوّرهم الفيلم، وبين عيشنا اليوم، على بُعد بضعة جدران من غزة، حيث تحصل منذ ستة أشهر تقريباً عمليات إبادة، لم يتدخّل أحدٌ بعدُ لوقفها.

Saturday, March 23, 2024

حزب الله والمأزق اللبناني

تغطّي حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة ضدّ الفلسطينيّين في غزة على كل النقاشات السياسية في المنطقة العربية. ليس فقط لأن مقدار القتل والتجويع والتعذيب وشراسة التدمير وتعمّد إنزال أشدّ أذية ممكنة بالبشر والعمران والبيئة وسرقة البيوت والممتلكات وتدمير المدارس والجامعات والمستشفيات وكامل البنية التحتية تتخطّى في بربريّتها كلّ ما شهدناه في الحروب الكثيرة في العالم في العقود الأخيرة في فترة زمنية قصيرة وفي رقعة جغرافية صغيرة ومحاصرة تماماً، بل أيضاً لأن تداعيات هذه الحرب في فلسطين والمنطقة وعلى منظومة العلاقات الدولية ستكون بلا شكّ عميقة الأثر.

وإذا كان رصد هذه التداعيات ما زال مبكراً الآن (ولَو أن بعض معالمها بدأ بالظهور)، إلا أنه في الحالة اللبنانية تكشّف عن مجموعة أمور طوت مرحلة واستهلّت أخرى مفتوحة على احتمالات عديدة، لا يُستثنى منها الاحتمال الحربي الواسع النطاق.

Saturday, February 24, 2024

"سيلفي" الخراب العظيم

ثمة فظاعة في هذه الصورة. التقطَها المصوّر تسفرير آبايوف في 19 شباط/فبراير 2024 لمجموعةٍ من الجنديّات الاسرائيليات لحظة أخذهنّ "سيلفي" أمام حطامٍ رهيب لحيّ سكني سُحقت مبانيه في قطاع غزة.

لم يُشر المصوّر على صفحته في إنستغرام الى موضع التصوير الدقيق. لكننا نفهم من تعريفه البارد والبليد بهذه الصورة الاستثنائية العنف أنها من شمال القطاع. وَضع الكثير من الـ"هاشتاغ" تحتها، مستخدماً مصطلحات حربية إسرائيلية، وأشار الى الهوية "الجندرية" للعناصر العسكرية، وحدّد بالطبع نوعية كاميراه وحجم عدستها ومستوى حساسيتها. 

قد يكون عدم الإشارة الى المكان، في هذه الصورة وفي سلسلة صورٍ لا تقلّ بشاعةً تبعتها ضمن ألبوم المصوّر ذاته، مرتبطاً بأوامر الرقابة العسكرية الإسرائيلية. وقد يكون مجرّد سهوٍ أو عدم اكتراث منه. أو قد يكون مردّ ذلك ببساطةٍ أن قطاع غزة بأكمله مدمّر (أو شِبه مدمّر)، والتصوير والـ"سلفي" أمام أي ركامٍ داخل مدنه ومخيّماته يحمل الدلالة والمعنى إياه: نتصوّر ونبتسم للعدسة ونُبيّن ما جعلناه أشلاء أمكنةٍ، ومساكن أشباحِ من اختفوا قتلاً أو تهجيراً.

Monday, February 12, 2024

في وداع رياض الترك، صانع الأمل وصائنه

السيّدات والسادة، الرفيقات والرفاق

العزيزتان خزامى ونسرين 

ما الذي يجمعُنا اليومَ، سوريّين وفِلسطينيين ولبنانيين وفرنسيّين، لتكريم رجلٍ تسعينيّ غادرنا قبل أربعين يوماً؟

هل هو احترامُنا لسيرته ولكفاحه على مدى عقود من أجل الحرّية التي رفضَ كلّ تنازلٍ عنها أو تسويةً على حقّه في انتزاعها؟

هل هي الصلابة الاستثنائية التي وسمت حياته داخل السجون وخارجها في مراحلَ واجه فيها التعذيب والقتل والاستبداد بلحمِه الحي؟

هل هو حبّنا المشترك لبلادنا المنكوبة التي لم يعرفِ التاريخُ إلا نادراً هذا المقدارَ من القسوة المسلّطةِ على ناسها، في حمص وداريا ودرعا وحلب، كما في غزة وخان يونس ورفح وجنين وبيروت وصنعاء وبغداد؟

هل هو الأملُ الذي ظلّ يذودُ "ابن العم" عنه ويقولُ به ويعدُ بلسانه بأن سوريا لن تبقى مملكةً للصمت؟

أم هو جانب الهشاشة الإنسانية رغم الإرادة الفولاذية الذي جعل منه مرآة لكثرٍ من آبائنا، ننظر عبره إليهم فنرى قوّتهم وتردّدهم وحنانهم وخشونتهم وانحناءهم الأخير تحت ثقل السنوات وما حملت من تجارب وأهوال؟ 

أظنّنا نجتمع هنا لكل هذه الأسباب. وأظنّنا هنا أيضاً لأنه ترك أثراً في كل واحد منّا، بمعزل عن مدى قربنا الشخصي منه.

Sunday, February 11, 2024

مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرّف لغزّة

دخلت حرب الإبادة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة شهرها الخامس، ولا مقترحات واضحة بعد عند أي من الأطراف الإقليمية والدولية لِسبل وقفها والتعامل السياسي مع المرحلة التي ستليها.

ورغم بعض الأفكار التي بدأ الأمريكيون بتسريبها حول خطواتهم الممكنة في الأشهر المقبلة، فإن لا شيء يُظهر حتى الآن قابليّة أفكارهم للتطبيق. فالأخيرة قوامُها اعترافٌ قريب بالدولة الفلسطينية من دون توقّف عند حدودها، بما يعني جعل الاعتراف المسبق مقدّمةً لمسار تفاوضي جديد في المنطقة ثم ترك هذا المسار يخوض في "التفاصيل" الميدانية وفي شكل الدولة وتُرابيّتها ونهائيتها السياسية، على ما نُقِل عن أنطوني بلينكن. وهذا ترفضه إسرائيل، في ما تدعمه السعودية ومصر والأردن، ويُرجّح أن تتبنّاه بريطانيا ومعظم الدول الأوروبية. بموازاة ذلك، تبحث أمريكا في شكل إدارة مرحلةٍ انتقالية في غزة تعقب الانسحاب العسكري الإسرائيلي "التدريجي" وتُتيح للسلطة الفلسطينية، بعد توسيع هياكلها بمساعدة عربية، أن تلعب دوراً أساسياً فيه، بما يحفّز دولاً وهيئات مانحة على البدء بتمويل "إعادة إعمارٍ" للقطاع المنكوب.

Friday, February 2, 2024

نحن وجرح غزّة والعالم

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الخامسة على قطاع غزة، يعيش الكثير من الأكاديميين والحقوقيين والصحافيين والعاملين في منظمّات مجتمع مدني أو منظمات إنسانية دولية، في الغرب، المتابعين منذ عقود لمجريات الصراع في فلسطين المحتلة وللتحوّلات الحاصلة في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، كابوساً تتوالى فصوله يومياً. 

ذلك أن ضراوة الحرب الإسرائيلية في شهرها الرابع، غير المسبوقة لجهة تسخير أحدث تكنولوجيا لتعميم أوسع دمار عمراني وخسائر بشرية ممكنة، ولجهة حجم المعاناة الإنسانية في فترة زمنية "قصيرة" وفي رقعة جغرافية صغيرة لم يشهد العالم له مثيلاً منذ عقود، تترافق مع تغطية إعلامية تلفزيونية غربية، لا تشذّ عنها سوى قلّة من المحطّات، غالباً ما تُغيّب الحقائق الميدانية وتنزع الأنسنة عن الفلسطينيين. يتجلّى الأمر في اختيار الصور أو في التعليقات عليها أو في اعتماد المصطلحات غير العلمية لتوصيف الأوضاع أو في استضافة أشخاص غير اختصاصيين يكرّرون مقولات خاطئة أو في السماح للناطقين باسم الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في البرامج الحوارية وعدم مساءلتهم الجدّية، إلا نادراً، حول الفظائع التي يرتكبها جيشهم. ويكمّل هذه التغطية غير المهنية وغير الأخلاقية، خطاب يعتمده أحياناً عنصريون من بين الضيوف، يشكّكون بكل غرور وجهل بحجم الخسائر البشرية الفلسطينية المُعلنة، أو يكرّرون أن على إسرائيل "الدفاع بقوّة" عن نفسها وسط محيطٍ (عربي) معادٍ لها. وطبعاً لا يفقه أصحاب الخطاب المذكور شيئاً بالقانون الدولي الإنساني، ولا بالسياق التاريخي المُفضي الى الحرب الدائرة.

Sunday, January 14, 2024

جنوب أفريقيا إذ تخوض أبرز معارك العدالة في لاهاي

شكّل البثّ المباشر لجلسة محكمة العدل الدولية التي رافع فيها وفد جنوب أفريقيا ضد الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، حدثاً استثنائياً في تاريخ القضية الفلسطينية وفي تاريخ القانون الدولي. وعبّر كذلك عن تبدّل جذري في تموضع الدول تجاه المؤسسات والمعاهدات والمواثيق الإنسانية، الكونية نظرياً، التي انبثقت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويمكن التوقّف عند أربع مسائل أثارها الحدث الجلل في مقرّ المحكمة في لاهاي.

هل يجوز الحديث عن إبادة جماعية في غزة؟

منذ أن شنّت إسرائيل حربها الأكثر وحشية على فلسطينيّي غزة (على إثر هجوم حماس ضد الجنود والمدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، تحوّل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في وسائل الإعلام وتصريحات المتحدّثين باسم معظم الحكومات الغربية إلى مجرّد وجهات نظر وآراء تبثّها الشاشات ويخوض فيها أشخاص غير اختصاصيين. وقد نتج عن ذلك استخدام مصطلحات ومفاهيم ذات معان محدّدة كـ"جريمة حرب" أو "جريمة ضد الإنسانية" أو "تطهير عرقي" أو "إبادة جماعية" على نحو عشوائي، تارة لوصف حالات معيّنة وغالباً لنفي أو رفض تطابقها مع الواقع في غزة. وهذا ما يدعونا للتذكير بتعريفات هذه الجرائم ثم للتحقّق من إمكانية تطابقها مع وقائع الحرب الإسرائيلية في القطاع.

زياد ماجد، على موقع لوريان 21.

لقراءة المقال كاملاً، يمكنكم النقر هنا.

Sunday, December 31, 2023

فلسطين وسوريا: تهافت التنابذ بين المظلوميات

تتعرّض غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لحرب إسرائيلية إبادية، هي الأشرس في العالم في التاريخ المعاصر، لجهة الكثافة النيرانية ووتيرة القصف والتدمير الممنهج والقتل والتهجير والاعتقال ونزع الأنسنة عن الضحايا واستهداف البنى التحتية والمستشفيات وقطع المياه والكهرباء وحرق الأراضي الزراعية والمواشي في رقعة جغرافية محدودة المساحة (363 كيلومتراً مربعاً) محاصرة منذ العام 2007، عالية الكثافة السكانية ومعدومة الموارد الاقتصادية الذاتية الكافية لإعالة أهلها. وتتعرّض الضفة الغربية والقدس الشرقية في الوقت نفسه لحملات قمع وعمليات اغتيال وسطو على الأراضي تقوم بها عصابات من المستوطنين يساندهم الجيش الإسرائيلي. ويجري كلّ هذا في ظلّ تواطؤ رسمي أمريكي وأوروبي ودعوات أممية وعربية عاجزة الى وقف إطلاق النار.

Sunday, December 17, 2023

في القسمة العالمية حول فلسطين

رغم الجهد الديبلوماسي والضخ الدعائي الذي تقوم به كتل الضغط الداعمة لإسرائيل في الدول الغربية، ورغم التواطؤ الحكومي معها في أكثر من بلد واعتماد بعض المصطلحات التي سعت لفرضها في وسائل الإعلام المرئي، إلا أن القسمة التي أرادها الإسرائيليون ومفادها غرب متحضّر تُمثّل إسرائيل رأس حربته من ناحية، ومسلمون برابرة يناصرون الفلسطينيين من ناحية ثانية، فشلت فشلاً ذريعاً.

ويمكن تلمّس معالم هذا الفشل من خلال أربع ظواهر.

Sunday, December 3, 2023

هل ستتحّرك المحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل على جرائمها؟

تتصاعد منذ بدء حرب إسرائيل الجديدة على الفلسطينيين في قطاع غزة أصوات حقوقية وسياسية في القارات الخمس تطالب بمقاضاة إسرائيل لارتكابها "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية". 

وتوثّق منظمات حقوقية دولية وفلسطينية حالات يمكن الجزم بكونها، وفق اتفاقيات جنيف الأربع الموقّعة العام 1949 وبروتوكوليها الإضافيّين الموقّعين العام 1977، "جرائم حرب"، لاستهداف الجيش الإسرائيلي مدنيّين فلسطينيين عن عمد، أو لقصفه مستشفيات وسيارات إسعاف وغير ذلك من عملياتٍ توقِع الأذى المقصود بالمنشآت المدنية وقاطنيها. ويقول المعنيّون بالتوثيق إن بعض الجرائم يمكن أيضاً أن يُعد "ضدّ الإنسانية" في حالات، كمثل الحصار المانع دخول مستلزمات الحياة ومقوّماتها، أو التهجير الجماعي للسكّان وإلزامهم تحت القصف والإجراءات الحربية على مغادرة منازلهم ومدنهم أو بلداتهم ومخيّماتهم، وصولاً الى تحويل استهداف البنية التحتية الطبية والاستشفائية الى سياسة عنف ممنهجة بما يتسبّب بإعدام قدراتها على الاعتناء بالمرضى والجرحى المدنيين.

على أن التوثيق وحده لا يكفي قانونياً، إذ ينبغي أن تتقدّم أطراف ذات أهلية بشكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تطالب بالتحقيق في الانتهاكات الاسرائيلية، أو أن يبادر المدّعي العام فيها الى التحقيق (خاصة أن دولة فلسطين موقّعة على ميثاق روما للمحكمة)، أو أن يطلب مجلس الأمن الدولي من المحكمة القيام بذلك، وهذا بالطبع مُستبعد (وثلاثة من أعضائه الدائمين، أمريكا وروسيا والصين، غير موقّعة أصلاً على الميثاق المعني – أو هي موقّعة ثم متراجعة عن التوقيع).

Saturday, December 2, 2023

حرب غزة في الخريطة السياسية الأوروبية: بين التظاهرات الداعمة للفلسطينيين وتماهي المواقف الرسمية مع السردية الاسرائيلية

ملخّص تنفيذي 

دخلت الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة شهرها الثاني، وسط عمليات قتل وتدمير وتهجير وتنكيل واجتياح برّي لم يسبق لها في العقود والحروب السابقة على القطاع المحاصر أي مثيل.

وبرزت في موازاة هذه الحرب مواقف دولية كثيرة، أظهرت قسمة بين معظم حكومات أوروبا وأميركا الشمالية من جهة، ومعظم حكومات أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا من جهة ثانية.

وإذا كانت بعض المواقف مألوفة أو غير مفاجئة بالنظر لتجارب سابقة، فإن المفاجئ بدا هذه المرة التماهي بين التصريحات والمصطلحات السياسية المستخدمة من قبل مسؤولين رسميّين وإعلاميين أوروبيين، لا سيّما في فرنسا وألمانيا، وتلك المستخدمة من قبل القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.

يُحيلنا الأمر الى ضرورة قراءة المتغيّرات على الساحة الأوروبية لفهم أسباب التماهي المذكور، وإلزامية التذكير بأن المواقف الحكومية لا تختزل التنوّع والاختلاف داخل المجتمعات المعنيّة، ولا تغيّب الصدام الحاد القائم أحياناً بين أحزاب سياسية وحركات اجتماعية ونقابية ترفض الدعم المقدّم من حكومات بلدانها لإسرائيل.

على أن ما يجري راهناً ستكون له آثار وتداعيات كثيرة ستظهر تباعاً على الخريطة السياسية الأوروبية وعلى مواقع بعض الأحزاب وقواعدها الشعبية. وليس من المستبعد انفضاض تحالفات قائمة ونشوء تيّارات يقودها أفراد من الجيل الجديد الذي أدخلته الحرب في غزة الى عالم السياسة وجعلته يبحث عن هويّة لا انفصام فيها بين الشعارات والممارسات وعن مواقف تبتعد عن كل ازدواجية في المعايير.

 لقراءة الورقة الكاملة، المنشورة في 23 نوفمبر 2023 في مركز الجزيرة للدراسات، يمكن النقر هنا.

Saturday, November 25, 2023

ما الذي تعنيه مذكّرة التوقيف القضائية الفرنسية بحق بشّار الأسد؟

أصدر القضاء الجنائي الفرنسي قبل أيام مذكّرة توقيف بحقّ رئيس النظام السوري بشار الأسد وشقيقه، القائد "الفعلي" للفرقة الرابعة، ماهر الأسد والجنرالين غسان عباس، أحد مدراء مركز البحوث العلمية، وبسام الحسن، المستشار الرئاسي للشؤون الإستراتيجية، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، عبر استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطتَي دمشق صيف العام 2013، حيث قُتل أكثر من 1400 شخص.

إصدار المذكّرة جاء بعد عامين من التحقيق في الشكوى التي تقدَّمَ بها في باريس "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" بدعمٍ من مؤسسات "الأرشيف السوري" و"مبادرة عدالة المجتمع المفتوح" و"منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية" و"رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية".

وسبق للقضاء نفسه أن أصدر قبل عام تقريباً مذكرّة توقيف بحق الجنرالات علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود بتهم تتعلّق بالإخفاء القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب راح ضحيّتها آلاف السوريين، بينهم مواطنَين فرنسيّين (مزدوجَي الجنسية) هما مازن وباتريك دبّاغ. وقررت محكمة الجنايات في باريس مقاضاة الجنرالات المذكورين غيابياً في جلسات ستُعقد ابتداءً من أيار/مايو العام 2024.

Thursday, November 9, 2023

حول القضية الفلسطينية وخارطة التحالفات العالمية والقانون الدولي الانساني

لقاء حواري على منصة "سردة" حول القضية الفلسطينية وأحوال المنطقة والعالم وحول بعض مفردات القانون الدولي والانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل وأسبابه. 

Saturday, November 4, 2023

القوة العارية وهستيريا العنصرية

تستمرّ المذبحة في قطاع غزة، التي بات يصحّ توصيف الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في سياقها بحسب الحقوقيّين الدوليّين بالإبادة الجماعية (جينوسايد)، لاستهدافها بالتحريض المُعلن والقتل المقصود والتهجير الجماعيّ أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وقضائها المُمنهج على مقوّمات الحياة ومستلزماتها في حيّز عيشهم المُحاصر منذ ستة عشر عاماً.

وتستمرّ في الوقت عينه سياسات التمييز العنصري (الأبارتايد) في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلّتين، ويمارس المستوطنون المسلّحون والمحميّون من الجيش الإسرائيلي في ظلّ هذه السياسات انتهاكات يومية تصل حدّ القتل والتعذيب والطرد والسطو على الأراضي والممتلكات، بما يعدّ وفق القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية.

عن المواقف الغربية الشديدة الانحياز للحرب الإسرائيلية على غزة وعن الخطاب المنادي بصراع حضاري

حوار في جريدة "نداء الوطن"، أجراه حسّان الزين مع زياد ماجد، حول الحرب الاسرائيلية على غزة وخريطة المواقف الغربية تجاهها وتجاه القضية الفلسطينية، وحول خطاب صدام الحضارات الذي عاد الى المشهد الإعلامي والسياسي في عالم يشهد الكثير من التحوّلات في تحالفاته وعلاقات أقطابه.

كيف تقيّم المواقف السياسية للدول الغربية عامة تجاه إسرائيل والحرب في غزة منذ 7 تشرين الأول 2023؟

زياد ماجد: ليس الانحياز الغربي الرسمي لإسرائيل مفاجئاً أو مستجداً، سواء أكان على صعيد المواقف السياسية أم على صعيد معظم وسائل الإعلام المرئي، المختلفة في تعاملها عن وسائل الإعلام المسموع، وعن الوسائل المكتوبة، أي الصحف، التي تتضمن تنوعاً ورصانة مهنية. لكن المستجدّ هو أمر يرتبط بالمصطلحات المستخدمة التي باتت مماثلة للمصطلحات الإسرائيلية. المستجدّ أيضاً هو تراجع التمايز الذي كان سائداً على الرغم من الدرجات المختلفة من الانحياز، بين الأوروبيين والأميركيين. ففيما كانت الولايات المتحدة الأكثر تأييداً ودعماً لإسرائيل منذ حرب ال1967، كان عدد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا أو إسبانيا أو إيطاليا وبلجيكا وبعض الدول الاسكندينافية يحاول أن يُبقي نوعاً من التوازن في مقاربته الدبلوماسية وفي تذكيره بِجذر المشكلة، وليس بِتمظهراتها أو بلحظاتها الصدامية العنيفة فحسب.

Sunday, October 22, 2023

رحيل جيزيل خوري الذي طوى صفحة من أعمارنا

لا يبدو الموت "العادي" في أرضٍ يحصد فيها العشرات من الأشخاص يومياً بسبب القتل والحروب والقمع والحصار مسألة حميمة خاصة، كما يُفترض به أن يكون، ترتبط برحيلِ قريبٍ أو عزيز أو وداع رفيق، يلتئم أحبّة لتذكّر شراكة أيام وابتساماتٍ وأحلام وإخفاقاتٍ ونجاحاتٍ واحتمالاتٍ ظلّت مؤجّلة. فالموت هذا صار في ظل الأخبار والصور ومشهديّة الفظيع أشبه بحدث يُصيب المعنيّين لوهلةٍ قبل أن يذوي في سياق أوسع ويتحوّل الى خسارة تُضاف الى خسارات معمّمة تحار العواطف والانفعالات في التعامل معها ورسم الحدود بينها أو استيعاب المُجريات وفصل الخاص عن العام فيها.

ولعلّ رحيل جيزيل خوري، الإعلامية اللبنانية التي دخل صوتها ونور عينيها عبر الشاشات الى معظم البيوت في العالم الناطق بالعربية، أصاب أهلها وصحبها الكثر بهذه الحيرة المجبولة بالحزن والألم، إذ جاء في فترة قاسية حلّ في إيقاعاتها فقدُ جيزيل وخصوصيّته مع كثافة قتلٍ واتّساع خرابٍ يستيقظ الأحياء أو الناجون وينامون يومياً على وقعهما في غزّة المحاصرة والضفة الغربية المحتلّة، أو في إدلب المنسيّة.

Thursday, October 12, 2023

حلم مقدسي - لوحة للفنان سليمان منصور

 

 لوحة لسليمان منصور

التصعيد بحثاً عن معادلات جديدة في سوريا

 تشهد سوريا منذ أسابيع تطوّرات ميدانية في مناطق مختلفة ترافق استمرار انهيار اقتصادها وتراجع حرارة التطبيع العربي مع نظامها.

ففي شرق البلاد، لم تنته بعدُ مفاعيل الصدامات العسكرية التي دارت في شهرَي آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين بين القوات الكردية ومقاتلين من عشائر عربية. وعكست الصدامات تكرّس عداواتٍ وانقساماتٍ وتصاعد خطاب مظلوميّة عربية تجاه الهيمنة الكردية على مناطق تتخطّى إطار الحضور الديموغرافي الكردي. وإذ توسّطت القوات الأمريكية المتمركزة هناك لوقف الاشتباكات في منطقة حسّاسة استراتيجياً لوجود عدد من حقول الغاز والنفط فيها من ناحية، ولمتاخمتها لمناطق سيطرة النظام الأسدي وحليفه الإيراني ولحدودِ العراق من ناحية ثانية، إلا أن لا تسوية سياسية ولا تبديل جدياً في الإجراءات الإدارية والأمنية ومسؤوليّاتها اتُّفق عليهما، ممّا يُبقي أسباب الصدام قائمة ولا يعني أكثر من تجميد مرحليّ له في انتظار جولة جديدة.

Sunday, September 24, 2023

أين صار التطبيع مع نظام الأسد؟

مرّت أشهر عدّة على حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد القمة العربية في جدّة بعد سلسلة مصالحات وفّرتها له الرياض، التي أرادت للاجتماع المعقود على أراضيها أن يُظهر استتباباً لأحوال الأنظمة العربية بمعيّتها ورعايتها، على نحو يطوي تبِعات مرحلة الثورات والاضطرابات، ويستعيد بعد "انتصار" الثورات المضادة، استقراراً تعدّه ضرورياً لإطلاق ديناميات اقتصادية جديدة في المنطقة.

على أن الأشهر التي مرّت منذ التقاط الصورة العربية "العائلية" بين الرؤساء والملوك والأمراء، لم تشهد أي تطوّر سياسي أو اقتصادي يوحي بسلوك التطبيع مسالك جدّية تُتيح لنظام الأسد البدء بما يُسمّيه "إعادة الإعمار" وإنهاء العزلة الدولية التي يقبع فيها. وهذا يشبه ما جرى أيضاً قبل خمس سنوات، حين طبّعت الإمارات العربية المتحدة ومعها البحرين مع الأسد، من دون أن ينعكس الأمر تغيّراً ملموساً على أرض الواقع، في ما عدا بعض المساعدات المالية التي استفادت منها آلة حرب النظام في إدلب وشبكات الزبائنية المرتبطة بها.

Monday, September 11, 2023

إنتفاضة السويداء والثورة السورية المغدورة

تتواصل التحرّكات الشعبية ضد النظام الأسدي في السويداء جنوب سوريا منذ ثلاثة أسابيع، وتُعيد مشهديّتها إلى الأذهان جوانب من مشهدية الثورة السورية في العامين 2011 و2012، ولَو أن الفوارق كبيرة بين الحقبتين، داخل البلاد وخارجها

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها جبل العرب، بعد مظاهرات أهله الواسعة في بدايات الثورة، وبعد «حركة رجال الكرامة» بقيادة الشيخ الشهيد وحيد البلعوس رفضاً للتجنيد الإجباري وإرسال أبناء المنطقة لقتال مواطنيهم في مناطق أخرى في العامين 2014 و2015، إلا أن ما يجري اليوم بعد كلّ الأهوال التي شهدتها سوريا وتحويل عدد من مدنها وقراها إلى حطام، استثنائيّ الأهمية ويؤكّد تجذّر كراهية النظام الأسدي وسعة الرفض الشعبي له ولداعميه في المنطقة المذكورة وفي سواها

ولعلّه من المفيد التوقّف عند بعض خصائص الحدث الدائر ودلالاته، بمعزل عمّا يمكن قوله لاحقاً عن نتائجه ومآلاته وتداعياته المحتملة

Sunday, July 30, 2023

اليسار الإسباني إذ يوقف المدّ اليمينيّ المتطرّف في أوروبا

تعرّض اليمين المتطرّف في أوروبا الغربية لنكسة سياسية ظهّرتها الانتخابات التشريعية الاسبانية قبل أيام، إذ جاءت نتائجها على النقيض ممّا كانت تزعمه جميع استطلاعات الرأي التي منحت تحالفه مع اليمين فوزاً كبيراً

والحقّ أنه سبق للبرتغاليين أن هزموا اليمين إياه العام الماضي، لكن فوز أضرابه في إيطاليا والسويد حيث بلغوا الحُكم حجب إنجازهم، فجاءت الانتخابات الاسبانية لتذكّر الجميع بأن هزيمته مُحقّقة إذا توفّرت في مواجهته إدارة سياسية تجيد رسم التحالفات وحدود التسويات

Monday, July 17, 2023

عن ذاك الذي أقام في الثقافة والسياسة والنزاهة والقلوب

احتلّ حبيب صادق على مدى أربعين عاماً موقعاً استثنائياً في الوجدان اليساري اللبناني، الجنوبي تحديداً، لأدواره الثقافية والسياسية ولما مثّله من استقامةِ سيرةٍ ومن حرصٍ استثنائي على الكرامة رغم موازين قوى هشّة، ومن شجاعةِ تحدٍّ للأمر الواقع وقواه الميليشياوية والمالية والمخابراتية.

عنف الشرطة الفرنسية ومأزوميّة التبرير المصاحب له

شهدت فرنسا في الأسبوعين الماضيين سجالات حادة رافقت وتلت انتفاضات عارمة وأعمال شغب في ضواحي مدن وداخل أحياء مدينية، بسبب قتل شرطي بطلقة نارية (من مسافة أربعين سنتيمتراً) لشاب في السابعة عشر من عمره، كان خلف مقود سيّارة، ولم يمتثل لأوامر التوقّف.               

النص التالي قراءة في عنف الشرطة الفرنسية المُمأسَس (والعنصري في أغلب الأحيان) وفي بعض المقولات الهادفة الى تجاهله والاكتفاء بِلوم المنتفضين وذويهم، التي استُخدِمت تكراراً من قبل وزراء في الحكومة الماكرونية ومسؤولين في الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرّفة ومن قبل معظم وسائل الإعلام المرئي الفرنسي وبعض الإعلام المسموع.

Sunday, June 18, 2023

التعذّر الرئاسي اللبناني

لم تكفِ خسارة مرشّح حزب الله سليمان فرنجية في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية اللبنانية المعقودة في البرلمان في بيروت في 14 حزيران/يونيو لسحبه من السباق الرئاسي. ولم يكفِ تقدّم منافسه جهاد أزعور، المدعوم من الكتل المسيحية الكبرى ومن كتلة وليد جنبلاط ومن عددٍ من النواب المستقلّين والمعارضين، لإبقائه في السباق إياه. ذلك أن الفارق بالأصوات لم يكن كبيراً (8 أصوات)، والأهم أن أزعور لم يتخطّ عتبة ال64 صوتاً التي كانت لِتُظهرَ أنه لولا تعطيل حزب الله ورئيس البرلمان للنصاب في الدورة الثانية (حيث الأكثرية البسيطة تكفي للفوز)، لحُسِمت النتيجة. 

والحقّ أن التعطيل كان متوقّعاً، بعد إحدى عشرة جلسة انتخابية في الأشهر السبعة الماضية تعذّر خلالها انتخاب رئيس، وبعد تبدّل التحالفات السياسية (ولَو مؤقّتاً) وسعي الأطراف جميعها الى تحسين شروطها قبل جولة مفاوضات وترشيحات جديدة.

فلماذا استمرار التعطيل في ظلّ نتيجة لم تفضِ الى تفوّق حاسم لأحد؟ وكيف يمكن تفسير التعذّر الرئاسي والاستعصاء السياسي في البلد ككلّ رغم الانهيار الاقتصادي والمالي المُتطلّب إعادة تشكيلٍ للسلطة التنفيذية على أمل الحصول على مساعدات دولية؟

Sunday, June 4, 2023

عن سمير قصير الذي صارع التنّين

حلّت في الثاني من حزيران/يونيو ذكرى اغتيال سمير قصير في حيّ الأشرفية في بيروت العام 2005.

ثمانية عشر عاماً انقضت منذ ذلك اليوم الكئيب الذي قُتِل فيه مثقّفٌ كان، على قول المطران جورج خضر في تشييعه، "يُصارع التنّين".

سمير قصير، اللبناني المولد والتعليم والهوى، الفرنسي الدراسة الجامعية والرحابة الثقافية، أبصر النور في 4 أيار/مايو 1960 لأب فلسطيني وأمّ سورية، وعاش حياته منتمياً للهويّات المتكاملة المذكورة ومنفتحاً على سواها، بما يُغني تفكيره ويرفده بكل جديدٍ محرّض على الأسئلة ومستفزّ للثابت من القناعات والمُسلّمات.

Sunday, May 21, 2023

حول مسألة اللاجئين السوريين في لبنان

الى فاروق وفؤاد وهالة ولينا وربيعة وعلي ورولا ومنى وسامر وليفيا وأحبّة كثر...

يتزايد في لبنان منذ أشهر سعار التحريض ضد اللاجئين السوريّين. ويتعرّض هؤلاء لانتهاكات معنوية ولخطاب كراهية ولإجراءات إدارية زاجرة. كما يتعرّض بعضهم لاعتداءات جسدية. ووصلت الأمور بما تبقى من سلطات لبنانية الى حدّ ترحيل المئات قسراً الى سوريا في الأسابيع الأخيرة، وثمة معلومات عن توقيف عددٍ منهم هناك وتجنيد آخرين في جيش النظام.

والأرجح أن النيّة معقودةٌ لبنانياً على تصعيد الحملة هذه في ظلّ مناخ إقليمي يدّعي ضغطاً من أجل "عودة" اللاجئين الى بلدهم بعد "المصالحات" العربية وقمّتها في الرياض، وفي ظلّ مناخ دولي يتّجه أكثر فأكثر نحو تكريس النزعات العنصرية والشوفينيّات الوطنية وحصر تنقّل البشر عبر الحدود، مقابل إزالة الأخيرة تماماً أمام السلع والاستهلاك وتهريب الأموال.

ولا يبدو أن النقاش العلميّ أو الرصين للمسألة ممكنٌ رغم جدّية بعض المحاولات الفردية والجماعية اللبنانية. أوّلاً لأن ما يجري يستثير غرائز خوفٍ وبغضاء عند فئات شعبية واسعة، تغذّيه إشاعات وأكاذيب يُطلقها مسؤولون سياسيون وأمنيون ورجال دين ووسائل إعلام وأصحاب هيئات اقتصادية. وثانياً لأن وجود أكثر من مليون لاجئ في بلدٍ صغير تنهشه الانقسامات السياسية والطائفية والمناطقية والطبقية، ويعيش كارثةً اقتصادية ومعيشية، ويملك فوق ذلك ذاكرة حرب واحتلالات، يحوّل موضوع اللجوء الى هاجس أو كابوس ديموغرافي لدى البعض من جهة، والى وسيلة توجيه للأنظار بعيداً عن أسباب المشاكل والأزمات والانهيارات الحقيقية التي تعصف به من جهة ثانية.

Sunday, May 7, 2023

مدينة نابولي إذ تحتفل بالانتصار على شمال إيطاليا

عاد نادي نابولي الى عرش كرة القدم الإيطالية بعد ثلاثةٍ وثلاثين عاماً من الانتظار. تُوّج فريق الجنوب بطلاً للمرّة الثالثة في تاريخه، وهو الذي قاده الارجنتيني دييغو مارادونا الى لقبيه الوحيدين السابقين في العامين 1987 و1990، وقاده أيضاً برفقة البرازيلي كاريكا الى الفوز بكأس الاتحاد الأوروبي العام 1989، وكأس الكؤوس الإيطالية العام 1990 على حساب خصمه الشمالي اللدود جوفنتوس في مباراة ما زالت الى الآن مصدر الاعتزاز الأكبر لمشجّعيه (إذ انتهت بخمسة أهداف لهدف).

 

وإحراز نابولي رسميّاً للّقب بعد مباراته ضد أودينيزي حوّل المدينة الجنوبية الى ساحة احتفالات وفرح كرنفالي ندر أن شهدت مثله. ذلك أن انتصارها ليس رياضياً فحسب، بل هو أيضاً هويّاتي وجهويّ يلامس السياسة ويردّ الاعتبار لمدينة (ومنطقة) تعصف فيها الأزمات، ويتعرّض أهلها، ومن بينهم جمهور ناديها الأوسع شعبية، لتنميطات وهتافات تحقيرية من قبل بعض جماهير الأندية المنافسة، تذكّر على الدوام بعمق الانتماءات المناطقية في إيطاليا وبالهوّة الفاصلة بين الجنوب والشمال وما فيها من اختلافات اقتصادية و"عنصرية" اجتماعية داخلية.

Sunday, April 23, 2023

التراشق بالفرانكية بين برشلونة وريال مدريد

دخل التنافس التاريخي بين ناديَي برشلونة وريال مدريد في إسبانيا منعطفاً جديداً يتخطّى مسائل الرياضة والهويّات الجهوية واللغوية وموقف الكاتالان من عاصمة المملكة، ليفتح نقاشاً حول صفحة من صفحات التاريخ الإسباني المعاصر ظلَّ التطرّق إليها محدوداً ومُتجنَّباً لفترة طويلة.

Monday, April 10, 2023

أمريكا والتمرّد عليها

ثمة مفارقة تزداد حضوراً في العلاقات الدولية منذ أعوام، مفادها استمرار سطوةِ أمريكا كقوّةٍ عظمى من ناحية، وتزايد حالات التمرّد عليها في الخيارات السياسية والاقتصادية لدول كثيرة، بينها تلك الحليفة أو الصديقة لها، من ناحية ثانية. 

كيف يمكن تفسير هذه المفارقة، بعيداً عن سذاجة نظريّات المؤامرة والقول بتوزيع الأدوار وسماح أمريكا بذلك أو حتى إيعازها به، وبعيداً أيضاً عن المزاعم التبسيطية المضادة حول أفول عالم أو صعود عالم جديد بموازين قوى متغيّرة؟

يفيد بداية، قبل الإجابة عن السؤال، التذكير بمعنى التفوّق الأمريكي الكوني المستمر، وغير المهدّد بالتبدّد، بمعزل عن تراجع سياسي موضعي هنا أو صعود اقتصادي منافسٍ هناك، وبمعزل أيضاً عن أي تقييم حقوقي أو سياسي له ولما يحمله من انحيازات وانتهاكات ودفاع عن مصالح قد تكون على حساب قوانين ومواثيق كثيرة.

Wednesday, March 29, 2023

ماذا يعني التطبيع العربي مع نظام الأسد؟

تتسارع منذ أشهر وتيرة تطبيع أنظمةٍ عربية مع دمشق، بحجج مختلفة، آخرها "إنساني" بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري.

وإذا كانت الإمارات العربية المتّحدة قد استهلّت التطبيع المذكور العام 2018 مدّعية أنه يهدف الى إيجاد حضور عربي في بلد باتت تحتلّه وتدير النزاع والمفاوضات فيه روسيا وإيران وتركيا، فإن السعودية تبدو اليوم مرشّحة لاستهلال جولة ثانية في مساره، متخلّية عن معظم شروطها أو متراجعة عن أبرز ما كرّرته خلال السنوات الماضية.

فما الجديد الذي يدفع عواصم المنطقة الى مصالحةٍ مع نظامٍ عادَتهُ سابقاً لاضطرارٍ وقسرٍ أو لتحالفه العضوي مع إيران؟

يمكن ذكر ثلاثة أسبابٍ لتفسير ذلك.

Sunday, March 12, 2023

في تحدّيات التطبيع السعودي الإيراني

اتفقت السعودية وإيران، برعاية صينية، على استئناف العلاقات الديبلوماسية المنقطعة بينهما منذ العام 2016، وعلى التنسيق في الملفّات الإقليمية ذات الاهتمام الأمني والسياسي المشترك.

وإذا كان من المبكر التكهّن بما سيُفضي إليه الاتفاق ومساراته التفاوضية الشائكة على أكثر من جبهة أو صعيد، فإنه من الممكن التوقّف عند مجموعة أسباب أنتجته وذكر العديد من التحدّيات التي تنتظره في الأشهر المقبلة.

Sunday, February 26, 2023

الى أي حدّ غيّرت حرب أوكرانيا التوازنات الدولية؟

حلّت في 24 شباط/فبراير 2023 الذكرى الأولى لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا.

حربٌ أرادها فلاديمير بوتين سريعةً وظنّ أنه سيحسمها عسكرياً وسياسياً في أسابيع قليلة، يُسقط فيها الحُكم في كييف ويدمّر مقومات الدولة الأوكرانية ويفرض ضمّاً لأجزاء شرقية وجنوبية من البلاد الى روسيا، مستعرضاً قوّته العسكرية.

غير أن الأمور لم تجرِ على نحو ما خطّط له سيّد الكرملين. فهو إذ اعتقد أن تدخّلاته في السنوات الأخيرة في جورجيا وأوكرانيا إياها ثم حربه الشاملة في سوريا التي لم يتصدّ له الغربيون فيها ستتجدّد مساقاتها خلال اجتياحه لأوكرانيا، فوجئ بردّ الفعل الأوروبي والأمريكي عليه، وفوجئ أكثر من ذلك بتماسك الأوكرانيين المستمرّ في مواجهة جيشه. ورغم الدمار الرهيب الذي أحدثه القصف الروسي في البنية التحتية الأوكرانية وتدميره الموانئ والمطارات والمرافق الحيوية الكبرى، ورغم تقدّم الجيش الروسي وميليشيا فاغنر في بعض المواقع شرق البلاد وجنوبها وتهجيرهم الملايين من السكان، إلا أن التسليح الغربي النوعي للأوكرانيين ودفاع الأخيرين المستميت عن مدنهم كبّد القوّات الغازية خسائر فادحة لم تكن في الحسبان. كما أن الاعتقاد بتراجع الأوروبيين مع الوقت عن دعم كييف نتيجة حاجتهم الحيوية للغاز الروسي لم يكن في محلّه. فهم بدأوا بالتحوّل عنه نحو الغاز المسيّل (الذي يتمّ شراؤه من أمريكا والنروج والجزائر وقطر) وتعزيز مشاريع الطاقة البديلة. كما أنهم شاركوا الأمريكيين في فرض عقوبات شديدة الإيذاء على الاقتصاد الروسي وعلى آلاف الأفراد والشركات المرتبطين بالنظام في موسكو. والأهم ربما أنهم نجحوا حتى الآن في إيجاد توازن بين مواقف دولهم المختلفة، الأكثر والأقل قرباً الى الجبهة الأوكرانية، وصاروا اليوم في دينامية تفاوضية داخلية تعدّ الحرب "على الجبهة الشرقية" جزءاً من واقع عليهم التعايش معه طويلاً. وفي هذا تبدّل سينعكس على موازنات الدفاع والأمن وعلى المقاربة الأوروبية للتحالفات العالمية القديمة أو المستجدة.

Sunday, February 12, 2023

النقابات الفرنسية في معركتها الكبرى: الحقّ في التقاعد قبل العجز والمرض

تدور في فرنسا منذ أشهر معركة اقتصادية وسياسية وقيميّة تتخطّى في مضامينها وتداعياتها موضوعها نفسه، ولَو أنه في ذاته عميق الدلالات والمؤدّيات. 

ذلك أن حكومة عهد إيمانويل ماكرون الثاني (برئاسة إليزابيت بورن) تحاول تمرير مشروع قانون يرفع سنّ التقاعد الى 64 عاماً (هو حالياً 62 عاماً مع تفاوتات بحسب عدد سنوات الخدمةوقطاعاتها وتاريخ بدايتها والظروف الصحية للعاملين والعاملات فيها). ومشروع القانون المذكور يأتي بعد فشل حكومة عهد ماكرون الأول (التي ترأسّها إدوارد فيليب) في تمرير مشروعٍ مشابه، وبعد فشل العديد من الحكومات في تسعينات القرن الماضي وفي العقدين الأخيرين في تمرير مشاريع تخصّ نهاية الخدمة وحقوق المتقاعدين وسواها من القضايا ذات الصلة. 

Sunday, January 29, 2023

إتّفاق الطائف الذي ابتلعته موازين القوى المتبدّلة

مثّل نصّ اتفاق الطائف، الذي رعته دولٌ عربية بموافقة أميركية في لحظة تحوّلات كبرى في العالم، تطويراً أو توسيعاً لنصوصٍ لبنانية عديدة سبقته (الوثيقة الدستورية العام 1976 والاتفاق الثلاثي العام 1985)، أجهض السير بها وقت إنجازها رفضٌ محلّي حادّ أو اعتراض إقليمي حاسم في مراحل لم تكن فيها أوان الحلول السياسية قد نضجت داخلياً وخارجياً.

والواقع أن العام 1989، عام توقيع الطائف، وعلى العكس من التواريخ السابقة، شهد تفاهماً سورياً سعودياً (ومصرياً وجزائرياً) لإنهاء الحرب في لبنان، رضيت عنه الولايات المتحدة الباحثة عن تموضع جديد في مناطق العالم المختلفة بموازاة الانهيار السوفياتي، وانخرطت في التفاهم المذكور معظم القوى السياسية والطائفية اللبنانية باستثناء واحدةٍ مسيحية مثّل عصبيّتها قائد الجيش آنذاك ميشال عون المدعوم عراقياً والمُتفَهَّم موقفه فرنسياً. أدّى الأمر بعد أكثر من عامٍ من توقيع الاتفاق في مدينة الطائف السعودية وإقراره في المجلس النيابي اللبناني (الممدّد له تكراراً منذ العام 1972)، وإثر صراعات دموية مسيحية على صلة بالاتفاق وبتمثيل المسيحيين من ناحية، وتطوّراتٍ إقليمية ودولية جسّدتها الحرب الأميركية على العراق بمشاركة سورية وسعودية ومصرية وأوروبية لتحرير الكويت من ناحية ثانية، الى فرضه واجتياح الجيش السوري للمناطق التي كان عون يُعلن عصيانه عليه منها.

هكذا، استُهل العقد الأخير من القرن العشرين في لبنان بانتهاء الحرب وبصيغة حُكم لم تتعدّل فلسفتها، بل حصص المشاركة الطائفية فيها، وحصل الرئيس السوري حافظ الأسد على دور الوصاية السياسية والأمنية لبنانياً في حقبة قيل إنها انتقالية يتخلّلها تطبيق الاتفاق وتنظيم انتخابات برلمانية وإطلاق ورشة إعمار ومواكبة بدء مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية.

طارق بيطار أو البحث عن القضاء الضائع

يثير شخص القاضي اللبناني طارق بيطار وتمسّكه بمهمّة التحقيق في انفجار نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، الذي أودى في 4 أغسطس 2020 بحياةِ أكثر من مئتي شخص وأصاب عشرات الألوف في أجسادهم وممتلكاتهم، الكثير من المواقف والأسئلة والانفعالات والتجاذبات في أوساط القوى السياسية وداخل الجسم القضائي ولدى الجمهور الواسع في لبنان. 

ذلك أن الرجل الذي استلم ملفّ التحقيق بعد ستة أشهر من وقوع الانفجار بدا منذ تكليفه بالمهمة، رغم فترة انقطاع لاحقة نتيجة محاولات السلطة الضغط عليه وكفّ يده، مثابراً ومصرّاً على التقدّم في عمله ورافضاً للابتزاز وللتهديدات التي تعرّض لها مباشرة أو عبر التسريبات الإعلامية. أي أنه بدا نقيضاً في مسلكه وجدّيته لقضاة تولّوا قبله تحقيقات في قضايا حسّاسة وارتضوا بسقف ما هو "مسموح" لهم به في بلدِ حصانة المرتكبين وفظاعة فجورهم. وهذا ما جعل الاحترام والتأييد له يزدادان عند ذوي الضحايا والمتضرّرين من واحد من أضخم الانفجارات غير النووية في التاريخ، كما عند المعارضين للسلطة القائمة بأطيافهم المختلفة، الذين رأوا في دفاعه عن استقلاليّته وإصراره على صلاحيات القضاء ما يُبشّر بالقدرة يوماً على الكشف عن ملابسات جريمةٍ تُجسّد أسبابُها ومعالمها وآثارُها أصدق تجسيدٍ أخلاقَ النظام وقواه الحاكمة، لجهة الفساد والإهمال والاستهتار والتواطؤ الجرمي والثقة بالإفلات من العقاب.

Sunday, January 15, 2023

من برلسكوني الى ترامب فبولسونارو: الشعبوية في مواجهة المؤسسات الديمقراطية المأزومة

غالباً ما يُعدّ دونالد ترامب أوّل رئيس شعبويّ مُنتخبٍ في دولة غربية بعد الحرب العالمية الثانية، وصل الى الحُكم العام 2017 من دون خبرة سياسية أو تدرُّجٍ في أروقة السلطة، ومن دون ثقافة ديبلوماسية، واعتمد مسلكاً في ممارسة مسؤوليّاته لا خشية فيه من قول كلام سوقيّ وعنصريّ ولا من إيراد معلوماتٍ مغلوطةٍ وإطلاق وعودٍ لا إمكانية لتحقيقها.

وغالباً ما يُشار أيضاً الى كونه جسّد في مسيرته غير التقليدية التقاطع المثير بين النجاح في الأعمال والفساد والتهرّب الضريبي وكراهية الدولة المركزية والنخب والمؤسسات الوطنية والدولية وحُسن التعامل مع الكاميرا ثم مع وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة قواعد اجتماعية تُماثله في كراهيته وتنبهِر بجمعه الثروات وتحويلها الى سطوة وسلطة توازي سلطته الرئاسية الطارئة.

ودونالد ترامب نجح فوق ذلك، رغم فشله في الفوز ثانيةً بالانتخابات الرئاسية الأميركية العام 2021، في تكريس الترامبية في المشهد السياسي الأميركي وإبقائها عنصراً مؤثّراً في اختيار الحزب الجمهوري لممثّليه، وفي تشكيل الأكثريات والأقليّات في السلطة التشريعية بشقّيها (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) كما في المجالس المحلية والجهوية. الأخطر ربّما أنه نجح في وضع "قِيَمه" (التي تعكُس "ُقيَم" قسمٍ كبير من الأميركيين اليمينيين والمحافظين وغير المنتمين لحزبٍ، المعتنقين على الدوام نظريات مؤامرة أو المتمسّكين بـ"حرّيات" فردية تناقض أحياناً مبادئ التعاقد بين المجتمع والدولة أو تنفرُ من التعدّد والتنوّع والتسامح وترى فيها "قيَماً شيوعية") في قلب السجالات والنقاشات العامة، بما حرّر غرائز أو مقولات كان يحولُ "الصواب السياسي" دون التعبير العلني أو السافر عنها سابقاً.

Thursday, January 5, 2023

ترسيم الحدود اللبنانية-الاسرائيلية: براغماتية حزب الله تجاه الخارج وصرامته تجاه الداخل

وقّع لبنان رسمياً، في 27 أكتوبر 2022 إتفاق ترسيم حدود بحرية مع إسرائيل، برعاية ووساطة أميركية. وإذا كان الاتفاق لم ينهِ الجدال حول قضية الترسيم ككلّ، لتأكيدٍ على حصره بالحقول الغازية من ناحية، ولغياب الترسيم الحدودي البرّي الذي يستكمل الشق البحري من ناحية ثانية، إلّا أنه أسّس لمرحلة جديدة على الحدود اللبنانية الجنوبية. ذلك أن حزب الله باركه بوصفه مكسباً وطنياً للبنانيّين تمّ بفضل "المقاومة"، والحكومة الإسرائيلية السابقة اعتبرته ربحاً لتل أبيب ومصالحها، والإدارة الأميركية ومن خلفها السلطات الفرنسية عدّته منطلقاً للسلام والاستقرار ولازدهار اقتصاد البلدين المعنيّين (وأسواق الطاقة). وكلّ هذا يجعله اتفاقاً يتخطّى في دلالاته وتداعياته السياسية الشأن التقني المرتبط بحقول الغاز والحق في استثمارها شرق المتوسّط.

النص التالي قراءة في المعطيات والملابسات المحيطة بالاتفاق وفي بعض مؤدّياتها، وفي مواقف حزب الله وسائر الأطراف المرتبطة بها.

Friday, December 30, 2022

عامٌ بدأ بحرب عالمية وانتهى بكأس عالم

يمكن النظر الى العام 2022 بوصفه عام أحداث كونية كبرى، تابعها أو تعرّض لها مليارات البشر قسراً أو طوعاً، وملأت أيامَهم بمجريات سياسية واقتصادية ومفاجآت ومشاعر جعلتهم لأسباب مختلفة ينتقلون دورياً من حالة الى أخرى.

فمن الحرب الروسية على أوكرانيا الى كأس العالم لكرة القدم في قطر، ومن الأزمات السياسية والاقتصادية الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكثر من بلد، توالت التطوّرات ومعها نقل الصور المباشر، وعاش العالم في عام واحد كثافة تحوّلات وانفعالات لن تنتهي آثارها وتداعياتها قبل سنوات طويلة.

Friday, December 16, 2022

المنتخب المغربي لكرة القدم، نجم كأس العالم 2022 في قطر

 يتخطّى التعامل مع إنجازات المنتخب المغربي لكرة القدم، الذي بلغ الدور النصف نهائي لكأس العالم المقامة في قطر، الحقل الرياضي، ليطال مجموعة حقول ثقافية واجتماعية وجيوسياسية تتداخل خالقةً حالة احتفاء شعبي استثنائي باللاعبين وأدائهم وما يجسّدونه أو يعبّرون عنه داخل الملعب وخارجه. 

وثمة مسائل ثلاث يمكن ذكرها في معرض شرح هذه الحالة والعلاقة بها.

Tuesday, November 29, 2022

عمّا يمثّله كريم بنزيما الذي نفتقده في المونديال

ثمّة ما يُغري في الكتابة عن كريم بنزيما وما يمثّل في سيرته الكروية وفي التعامل الإعلامي والسياسي الفرنسي معه، وهو الذي أصيب مؤخّراً واضطرّ لمغادرة قطر لنخسر رؤيته مع منتخب بلاده في كأس العالم 2022.

فالمهاجم الفذّ الذي نال هذا العام جائزة الكرة الذهبية، كأفضل لاعب في أوروبا، بعد أن أحرز مع ريال مدريد بطولة إسبانيا وكأس "الشامبيونز ليغ" القارية وتُوّج هدّافاً للبطولتين وكان أبرز صانعي الانتصارات فيهما، وأحرز مع منتخب فرنسا كأس رابطة الأمم الأوروبية العام 2021، ليس موضع إجماع أو ثقة في فرنسا لأسباب يصعب الاعتقاد بأنها مرتبطة حصراً بأخطاء مسلكية ارتكبها منذ أعوام.

Sunday, November 13, 2022

تلك الأمكنة التي نفقدها وأزمنتها الضائعة

غالباً ما تعصف التحوّلات بمدن وأحياء وبلدات، فتبدّل من أحوالها وتغيّر عمرانها وتزيل محلّات أو عمارات أو مواضع كانت لفترات طويلة علامات فارقة في يومياتنا ومشاريعنا وفي تنقّلاتنا.

وغالباً ما تقترن التحوّلات هذه بخسارات أو بفقدان نعدّه شخصياً إذ يصيب مواضع كان لنا فيها ذكرى غالية أو كان لها فينا أثر، ويخلّف التفكير بها كل فترة ابتسامة أو حزناً أو استدعاءً لوجهٍ أو لصوتٍ أو لمذاقٍ نربطه بها وبمطرٍ أو حرّ أو تعبٍ أو توثّب أو ضجيج أو همسٍ رافق جلوساً أو لقاءً فيها. 

ويزداد أمر الخسارات أو الفقدان حدّةً حين نغادر المدن والبلدات حيث عشنا لسنوات أو عقود، تاركين أمكنتها وناسها على حالٍ نخالها لن تتغيّر، أو بالأحرى نحاول إقناع أنفسنا ببطء مرور الوقت عليها خلال غيابنا، بما سيُتيح لنا فرصة العودة للعثور على ما تركنا شبيهاً بتمثّله في ذاكرتنا وفي المُشتهى من توقّعاتنا.

Sunday, October 16, 2022

في جذرية الاحتجاجات النسوية الإيرانية

تدخل المظاهرات المناهضة للنظام في إيران أسبوعها الخامس، وتصدح فيها هتافات "الموت للدكتاتور" المعطوفة على الشعار الأثير "المرأة، الحياة، الحرّية". وإذا كان زخم هذه المظاهرات قد تراجع بعض الشيء نتيجة القمع والعمليات الأمنية التي اتّخذتها السلطات، فإن جذرية شعاراتها واتّساع نطاقها وأعمار المشاركات والمشاركين فيها وبلوغها المدارس المتوسطة والثانوية، وليس فقط المنشآت الجامعية، يُشير الى صعوبة مهمّة ضبطها والى استحالة استرضائها بإجراءات إصلاحية تجميلية أو بمعاقبة بعض المسؤولين عن التوقيفات والقتل أو بالاعتذار عن "العنف غير المسؤول".

Sunday, October 2, 2022

اللاجئون السوريون كرهائن للصراع وللتطبيع

ليس من المبالغة القول إن مأساة التشرّد واللجوء السوري تمثّل الكارثة الحربية-الإنسانية ذات الأثر السياسي الأعمق عالمياً في العقود الثلاثة الأخيرة.

ذلك أنه إضافة الى حجم الديموغرافيا المعنيّة المقدّرة اليوم، مع التزايد الطبيعي للاجئين، بأكثر من سبعة ملايين شخص، وإضافة الى تبعات الأمر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللاحقة عليهم وعلى مجتمعات اللجوء، فإن التداعيات السياسية لوصولهم الى بلدان عديدة، لا سيّما في أوروبا، شكّلت مادة إعلامية وسردية سياسية مكّنت اليمين المتطرّف من بثّ الخوف من هؤلاء " الوافدين "، وحصْدِ أصوات إنتخابية واحتلال منابر سياسية لم يكن ليجد إليها سبيلاً في ظروف مختلفة.

وحتى في دول الجوار السوري، حيث يتواجد قرابة الستة ملايين لاجئ، فإن العداء للاجئين برز منذ البداية كخشبة خلاص للنخب السياسية المحلية المأزومة، وأخذ في التوسّع مع مرور الوقت واستعصاء الحلّ سوريّاً، خاصة في لبنان ومؤخّراً في تركيا، ليصبح أداة حشد وتعنيف وتحريض بلغ حدود التهديد بترحيل اللاجئين نحو بلادهم المنكوبة. 

ولعلّ استعراضاً سريعاً لمراحل اللجوء وجغرافيته وما رافقه يفيد لاستذكار مجريات الحقبة الأخيرة واستخلاص بعض الأمور المرتبطة بالسائد من مقولات ومزاعم.

مقابر الغرباء

يتعاظم حضور الموت من حولنا كلّ فترة، فتنتشر النعوات على وسائل التواصل الاجتماعي ومعها التعازي وعبارات الألم والمواساة المرافِقة، بما يُنهي، سورياً وفلسطينياً (أو عراقياً ويمنيّاً) ولبنانياً على الأقل، كلّ فارق بين ما كان يُسمّى "عالم الافتراض" والواقع ويُزيل الحدود بين الموت كشأن خاص وكخبر عام، فيدعونا يومياً لنكون شهوداً على ذلك. إذ كيف للموت أن يبقى افتراضياً حين يُنبئ بنهايات فعلية ويُعلن قسوة فقدان حقيقي؟ وكيف للمشهديّة الموثِّقة وقوعَه أن تُبقي حدوداً بين عوالم خاصة وعامة اخترقتها صوَر الموتى وأسى ذويهم، وواحدنا يراهم على الشاشة الثابتة وعلى الهاتف الجوّال كل يوم؟

الأدهى والأكثر فظاعة هي أحداث هذا الموت المُعلن والمُباحة تفاصيلُه إذ تُفني أفراداً أو جماعات أو تلتهم أناساً ضافت بهم السبل في بلادهم ولفَظهم القتل والقمع والعوَز، فتاهوا في بحر أو في أرض قاسية أو وصلوا منفىً لم تحُل احتمالاته ووعوده دون لوعة الغياب ووِحشة القبر.

Sunday, September 25, 2022

النكبة السورية في كتابٍ أسود

يصدر بعد أيّام عن "دار سوُيْ" الفرنسية مؤلَّف ضخم (من 848 صفحة) عنوانه "سوريا البلد المحروق: كتاب آل الأسد الأسود". أشرف على جمع مواد الكتاب وترتيبها والتدقيق في ترجمة بعضها من العربية الى الفرنسية كلّ من الأستاذتين الجامعيّتين كاترين كوكيو ونايلة منصور والحقوقي جويل هوبرشت والمؤرّخ والناشر فاروق مردم بك

الكتاب، الذي يشكّل أوسع تجميع لنصوصٍ تتناول الشأن السوري في ظل حكم الأسدين الأب والإبن (منذ العام 1970 وحتى اليوم) وتحلّلُ أحواله وتوثّقها، يريد لنفسه أن يكون مرجعياً في قضايا لم يكن تناولها قبل العام 2011 يسير التداول أو المعالجة الأكاديمية أو الحقوقية أو الصحافية. كما أنه يسعى الى جعل الكثير ممّا نُشر بعد العام 2011 قابلاً للتبويب والترتيب بما يُكوّن أرشيفاً حيّاً لنكبة ما زالت معالمها ساطعة وتداعياتها قائمة، والأهم والأخطر، ما زالت جرائمها وفظاعاتها على كثرتها قليلة المتابعة القانونية الجدّية (في ما خلا عدداً من القضايا التي باتت أمام المحاكم الوطنية الأوروبية)

Sunday, September 4, 2022

روسيا وإيران وتركيا: تحالف الإمبراطوريات المقهورة

ثمة الكثير من المُشترَكات والمُختلَفات، حدّ التناقض، في المواقف والحسابات والأولويات السياسية والاقتصادية الروسية والإيرانية والتركية. مع ذلك، تحافظ موسكو وطهران وأنقرة على تحالف أو لِنقُل على تنسيق وثيق يشمل ملفّات صراعية تنخرط جميعها أو بعضها فيها في ساحات مختلفة.

Tuesday, July 12, 2022

قضية فلسطين كقضية كفاح ضد حصانة الأقوياء

يغرق غرب آسيا ومعه شمال إفريقيا أو ما يُسمّى الشرق الأوسط منذ سنواتٍ تلت انتصار الثورات المضادة على الثورات الشعبية التي اندلعت فيه العام 2011 في دوّامة من النزاعات والأزمات والانهيارات والتصدّعات.

وتستحوذ المجابهات الإيرانية السعودية والصراعات على النفوذ التركية الروسية الإماراتية (بعد خفوت الاهتمام الأميركي بالمنطقة) على الرصد ديبلوماسياً وفي وسائل الإعلام. كما تحظى الحروب في سوريا واليمن وليبيا بالمتابعة الأوسع وفق إيقاعاتها وتبعاً لسياقات التصعيد أو المهادنة أو التدخّلات فيها، وهي المتواصلة منذ عقد، بلا أفق حلول أو تسويات جدّية. 

مع ذلك، يبقى لفلسطين موقع سياسي وقانوني و"رأسمال" رمزي وعاطفي لا يخفت كثيراً إقليمياً وعالمياً رغم التراجع الفظيع الذي أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية وتهالك سلطتها الوطنية، ورغم تطبيع أنظمة عربية مع إسرائيل، ورغم توظيف أنظمة أُخرى المسألة الفلسطينية لتبرير جرائمها بحق شعوبها وشعوب جوارها، ورغم نشوء مسائل وجودية جديدة في أكثر من بلد.

Monday, June 27, 2022

منطقتنا التي تُعاد صياغة العلاقات فيها

تجري منذ أشهر إعادة صياغة العلاقات في منطقة "الشرق الأوسط" ارتباطاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، وبإعادة التموضع الأميركي دولياً، وبالاستراتيجيا الاقتصادية الصينية، وبتنافس القوى الإقليمية، إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج العربي، وبمحاولة مصر لعب أدوارٍ تتيحها جغرافيتها وتاريخها.

Wednesday, June 15, 2022

سيناريوهات روسية أوكرانية

دخلت حرب روسيا على أوكرانيا شهرها الرابع، وما من مؤشرات سياسية أو ميدانية تفيد بقرب نهايتها. وبات من المؤكّد أن فلاديمير بوتين لم يكن في وارد حرب طويلة الى هذا الحد وأنه أخطأ التقدير في ثلاثة أمور.

Sunday, May 29, 2022

في الاستعصاء السياسي اللبناني

 يبدو المشهد اللبناني اليوم، بعد أسبوعين من انتخاب مجلس نوابٍ جديد خسر فيه حزب الله الأكثرية التي امتلكها في المجلس السابق، مقبلاً على معضلات وسيناريوهات تؤكّد عمق أزمة النظام السياسي واستعصاءها على الحلول في المقبل من الأيام. 

فالمجلس الجديد، الذي لم يشارك في انتخابه أكثر من 49 في المئة من الناخبين رغم حساسية الوضعين السياسي والاقتصادي ورغم الاقتراع الكثيف للمهاجرين (والمهجّرين خارج البلاد)، يعكس أكثر من قِسمة لبنانية، أو أكثر من قطيعة. فمن ناحية هناك كتلة واسعة غير متجانسة (ويتنابذ بعض مكوّناتها) هي الحليفة لحزب الله، وفيها النواب الشيعة جميعهم (إذ لم يخرق أي شيعي مستقل أو معارض لوائح الثنائي حزب الله – أمل) ونواب التيار العوني ونوّاب الطاشناق والمردة والأحباش وعدد آخر من النواب المسيحيين والسنّة. وهناك من ناحية ثانية مجموعة كتل تمثّل قوى منبثقة من معسكر 14 آذار السابق، مع خلافات عديدة في ما بينها، وهي كتل القوات اللبنانية والحزب التقدّمي الاشتراكي والكتائب والمتناثرين عن تيّار المستقبل الذي قاطع رسمياً الانتخابات وبعض النوّاب السنّة والمسيحيين الآخرين المعارضين لحزب الله. ثم هناك من ناحية ثالثة مجموعة نواب مستقلّين تتحرّك مواقفهم تبعاً للقضية المطروحة، ولا يمكن تصنيفهم على نحو ثابت في أي خانة سياسية صارمة المعالم. وهناك أخيراً النواّب الجدد الذين مثّلوا تيّارات وحركات منبثقة من انتفاضة "17 تشرين الأول/أكتوبر 2019" الشعبية. وهؤلاء بدورهم، ليسوا كتلة موحّدة وثمة اجتهادات مختلفة قد تبرز في صفوفهم تجاه الموقف من سلاح حزب الله أو من جمعية المصارف أو من المسألة الطائفية وتبعاتها السياسية والاجتماعية أو من أحوال المنطقة ومحاورها. 

Thursday, May 26, 2022

حزب الله والصوت التفضيلي والنظام المأزوم

ليست المرّة الأولى التي يظهّر فيها استحقاقٌ عمقَ أزمة النظام اللبناني. فلقد صار مألوفاً أن يذكّرنا كل انتخاب رئاسي بعد فراغ، وكل تشكيل حكومي بعد طول انتظار، وكل انتخاب نيابي بعد تردّد، بأنّ التوافقية التي تحكم لبنان نظرياً ترنّحت وأنّ فلسفتها المفترض بها تسهيل الحياة السياسية وضمان مشاركة ممثّلي الطوائف فيها، لم تعد قادرة على إدارة الحياة والمشاركة المذكورتين (بمعزل عن سوء حصر اللبنانيين واللبنانيات بطوائفهم أصلاً). 

زياد ماجد

لقراءة المقال التحليلي لنتائج الانتخابات اللبنانية وللصوت التفضيلي ولموقع حزب الله في البرلمان الجديد، يمكن الضغط هنا على رابط "ميغافون".

Sunday, May 15, 2022

تقويض سوريا

ما الذي لم يُكتب بعدُ عن سوريا منذ اندلاع ثورتها وتحوّلها الى كفاح مسلّح ثم الى حرب شاملة والى تدخّلات خارجية واحتلالات وتقسيم ترابي؟ وما الذي لم يُوثّق بعدُ عن العنف وآلياته وعن نظام الأسد الذي هندس ونفّذ بدعم راعيَيه الروسي والإيراني عمليات إعدام جماعي لمئات آلاف السوريّين بعد قصف وحصار وتجويع وتهجير واستخدام براميل وسلاح كيماوي وتعذيب؟ وما الذي لم يُقل عن أسباب صعود داعش والقوى الجهادية أو عن الاقتصاد وانهياره أو عن اللاجئين أو عن محاولات التطبيع السياسي والاقتصادي مع الأمر الواقع والقائمين عليه؟

تخطر هذه الأسئلة وغيرها قبل الاطّلاع على كتاب الأكاديمية الفرنسية ليلى فينيال، أستاذة الجغرافيا في جامعة رين ثم في المعهد العالي للتعليم في باريس. ذلك أن فينيال، التي تشتغل بحثياً على سوريا منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، اختصّت بعد العام 2011 في رصد التحوّلات الديموغرافية والعمرانية في سوريا وفي مجتمعات اللجوء السوري (لا سيّما في لبنان والأردن ومصر)، وفي تحليل عمليات التدمير الممنهج لبعض المدن وضواحيها وأريافها وما مثّلته أو كرَسته من سياسات ومن مخطّطات على صلة بالاقتصاد وبالنسيج الاجتماعي السوري.