أصدر الاتحاد الأوروبي
منذ أيام قراراً بفرض عقوبات جديدة على النظام السوري والمتعاملين معه. وتضمّنت
لائحة العقوبات ضبّاطاً متّهمين بجرائم حرب (بينهم الجنرال غسان عبّاس المسؤول عن الوحدات
العسكرية التي نفّذت الهجوم الكيماوي على غوطتي دمشق صيف العام 2013)، ورجال أعمال
يتوسّطون في صفقات لصالح النظام ويبيّضون له أموالاً، أبرزهم رئيس شركة
"هسكو" جورج حسواني (صديق الأسد الشخصي) الذي يتولّى التنسيق بين النظام
و"داعش" في الصفقات النفطية، إذ يشتري نفطاً من "الدولة الإسلامية"
ثم يبيعه للدولة الأسدية.
في الوقت عينه، ذكرت بعض
الصحف اللبنانية أن أطبّاء محسوبين على التيار الوطني الحرّ أو مقرّبين منه،
ويعملون في إحدى مستشفيات العاصمة اللبنانية، توجّهوا الى دمشق لتقديم الخدمات
الطبية للضابط في المخابرات السورية رستم غزالي (حاكم لبنان السابق لغاية طرده
وقواته في نيسان 2005 بعد انتفاضة الاستقلال)، الذي تعرّض على ما قيل للضرب
والتعذيب في كمين نصبه له أحد الضباط المنافسين، فأصيب إصابات خطيرة.
ماذا يعني أن يكون جورج
حسواني، الذي سبق وبرز اسمه خلال المفاوضات لإطلاق سراح "راهبات معلولا"
المخطوفات، وسيطاً نفطيّاً بين الأسد وداعش، وماذا يعني أن يكون أطبّاء لبنانيّون
منقِذين - خارج مستشفاهم وبلدهم - لضابط مخابرات سبق وحكم بلدهم هذا وعاث فيه
ترويعاً وفساداً؟
تتطلّب الإجابة التوقّف
عند عاملين أساسيّين. العامل الأول، مرتبط بما يُثار حول المسألة الطائفية.
فحسواني والأطبّاء اللبنانيّون ينتمون الى واحدة من "الأقلّيات" التي يُزعم
أنها مذعورة ومهدّدة، ويُبرَّر بسبب حاجتها الى الحماية دعمُ أغلب رجال دينها لنظام
البراميل والكيماوي. والواقع أن الأفراد "الأقلّويين" في الحالتين
المشار إليهما لم يكتفوا بالدعم أو باللجوء الى كنف من يعدّونه حامياً، بل تحوّل
أحدهم الى وسيط بين "الحامي" والوحش الذي يُفترض أنه التهديد الأكبر،
مموّلاً الثاني ومسدّداً له المبالغ لشراء نفطٍ يُسيّر آلة قتل الأوّل ويمكّنها من
الاستمرار في الحرب. أمّا الآخرون، فيهبّون من بيروت الى دمشق، لنجدة ضابط مخابرات
متّهم، قبل جرائمه السورية التي لا تُحصى، بالإجرام واللصوصية لبنانياً. وهذا
يقودنا الى العامل الثاني، الأخلاق، أو بالأحرى منظومة الأخلاق في ظلّ أنظمة كنظام
الأسد وحلفائه. ذلك أن خسّة حسواني هي بالتحديد من أبرز أسباب "نجاحه"
كرجل أعمال في سوريا. وارتهان بعض الوجهاء في لبنان لضبّاط المخابرات السورية كان
عنصر حماية أو انخراطاً في مشروع استثمار لتيّارهم السياسي، ثم صار بعد الانكفاء
السوري عن لبنان وبعد بدء الثورة السورية ومشاركة حزب الله في قتالها تقرّباً من
الحزب ومن راعيته إيران.
كلّ هذا يعني أن هناك من
بات يعتمد اليوم في سوريا ولبنان "الأقلّوية" (أو "الذمّية")
ستاراً إيديولوجياً (وليس سياسياً فقط) لتبرير وضاعات ومصالح مالية وسياسية،
تماماً كما كانت قضايا "الممانعة" و"التصدّي للمؤامرات
الخارجية" السبيل الأنسب للسير في مصادرة "الداخل" وسحق المعترضين
على هذه المصادرة. لحسن الحظ أن ثمة من يرصد ذلك، ولحسن الحظ أيضاً أن ثمة عقوبات
متزايدة ستضيّق الخناق أكثر فأكثر على النظام الأسدي وضباطه وشركائهم، من
"أقلّويّين" و"أكثريّين"...
زياد ماجد