حوَّل
تغييبُ السياسة وتعطيل آليّاتها ومساراتها من جهة، وتعاظمُ العدوان على الشعب
السوري وثورته اليتيمة من جهة ثانية، صاروخَ الـ"تاو" المضاد للدروع الى
أكثر من سلاح حربي فعّال.
فهذا
الصاروخ "المُعارض"، الذي حصد العشرات من دبّابات النظام الأسديّ
وآلياته في معارك أرياف حمص وحماه وحلب في الأيام الأخيرة، بدا الردّ الوحيد المُتاح
على القصف الجوّي الروسي وعلى محاولات الغزو البرّي المستظلّة به، بقيادة ضباط
إيرانيين وبمشاركة وحدات من حزب الله اللبناني ومن الميليشيات الشيعية العراقية. كما
بدا الدليل على أن "الجيش السوري الحرّ" الذي يستخدمُه ما زال، رغم نقص
الموارد وضعف التنسيق بين وحداته المشتّتة ورغم صعود القوى الإسلامية والجهادية
على حسابه في الكثير من الأحيان، قوّةً عسكرية وازنة، ليس في أقصى الجنوب السوري (حيث
هو القوة الأولى) فحسب، بل في وسط البلاد وبعض شمالها أيضاً.
وصاروخ
الـ"تاو"، الذي يُواجه رُماتُه اليوم آلة قتلٍ مدّها رُعاتُها في موسكو
وطهران بمليارات الدولارات قبل أن يندفعوا بأنفسهم لنجدتها، يُذكّرنا مع كل مصفّحة
يدمّرها بالجريمة التي ارتكبها "المجتمع الدولي" بحقّ السوريّين منذ
تحوّل ثورتهم قسراً الى كفاح مسلّح ثم الى حرب طاحنة. فحرمانهم أميركياً
(وبامتثالٍ أوروبي وإقليمي) من الصواريخ المضادة للطائرات منذ صيف العام 2012 حين
استخدم الأسد طيرانه للمرّة الأولى ساهم في إطالة أمد الحرب، وأتاح للبراميل أن
تهطل بغزارة على المدنيّين في المناطق المحرّرة وأن تدمّر عمرانهم واجتماعهم،
وأظهر غياب الحزم تجاه النظام بما شجّع رُعاته على المضيّ في دعمهم له. ولم تزدهم
الصفقة الكيماوية صيف العام 2013 سوى قناعة بجدوى الدعم هذا، وصولاً الى تدخّلهم
المباشر الذي نشهد. وكلّ ذلك، خلق ظروفاً ميدانية سهّلت على "داعش"
ومثيلاتها تمدّدها السرطاني (في مواجهة الجيش الحر تحديداً).
هكذا،
وصلت الحرب في سوريا الى لحظتها الراهنة، وبان الـ"تاو" أقصى ما يمكن للمعارضة
أن تحصل عليه. بان بدلاً عن سياسة غائبة وعن توازن قوى مفقود تحت سماء مشرّعة
للطائرات المعادية. وبذلك صار محطّ الأنظار، وصار تذكيراً لنا في كل فيديو يصوِّرُ
انطلاقَه ثم تحوّله الى نقطة حمراء تسبح في الفضاء ثم تنقضّ على آلات القتل
لتُحيلها ركاماً بأن ثمة مقاتلين استملكوا الحرب التي مارسها النظام عليهم وعلى
ذويهم على مدى سنوات، وأصبحوا اليوم يُتقنون صناعتها رغم البراميل والحصار ورغم الحرمان
من الدعم الدولي (في ما يتخطّى الـ"تاو" نفسه). وهؤلاء، لن يكون إيقافهم
ممكناً مهما اشتدّ القصف الجوّي عليهم ما دام النظام الذي أنتج رغبتهم بالثورة ثم بالانتقام
قائماً...
زياد ماجد