ثمة
مشهد قياميّ في بعض ضواحي بيروت. أكياس نفايات تعلو مياه الأمطار الموسميّة الأولى،
وزبالة تتجوّل في الأحياء وتنتشر وسط الطريق وعلى الأرصفة أو بين السيارات
المركونة. أحشاء بعض الأكياس انتفخت ثم انفجرت لتتقيّأ ما بداخلها من قاذورات. نهر
بيروت تحوّل الى مجرى أكياس وأوساخ كانت قد تكدّست على "ضفافه"، ولولا
جهود متطوّعي حملة "طلعة ريحتكم"، لكان حاله أكثر فظاعةً... هو الطوفان،
طوفان القمامة التي تراكمت منذ أشهر في أكثر من مدينة ومنطقة بسبب فساد المسؤولين
السياسيّين أو عجزهم أو رقاعتهم أو فجورهم، أو جميعها معاً.
لا
يتطلّب التعليق على مشهد الرعب هذا تحليلاً سياسياً، أو موقفاً من هذا الطرف أو
ذاك، أو ربطاً للواقع اللبناني بأهوال المنطقة، أو حكياً عن النظام الطوائفي
المُفلس، أو عن السياسات المالية والاقتصادية العرجاء، أو إثارةً لأمّ القضايا -
أي سلاح حزب الله وقتاله العدواني في سوريا. يتطلّب التعليق إعلاناً واضحاً لا
أكثر عن تحميل الوزراء والنواب، ومن خلفهم جميع القوى السياسية التي ينتمون إليها،
المسؤولية الكاملة عن "القيامة" القائمة في الكثير من شوارع المدن
والبلدات اللبنانية اليوم.
ذلك
أن الفشل في إيجاد حلول ناجعة لجَمع النفايات، وقبل ذلك وخلاله لمعالجة كارثة
الكهرباء، لا مبرّر موضوعياً له. وهو، على خلاف الكثير من القوانين والممارسات
التي يمكن القول بنسبية توزّع المسؤوليات فيها أو صعوبة التعامل معها أو ارتباطها
بقضايا أُخرى أكثر تعقيداً، جليّ في تظهيره الفشل المباشر لحكومة مفكّكة ولمجلس
نيابي عاجز عن التشريع (وعن انتخاب رئيس وعن إقرار قانون انتخاب جديد)، وقادر فقط
على التجديد لنفسه.
كلّ
هذا يعني أن الضغط اليومي على الحكومة والبرلمان، تظاهراً وكتاباتٍ وحملات إعلامية
وأنشطة في الجامعات والثانويات وفي النوادي الثقافية والرياضية وفي كلّ مكان يمكن
أن يكونَ للمواطنية أثرٌ فيه، هو ما يبقى أولوية اليوم. وبعضُ هذا يجري منذ مدّة ولا
ينتظر دعوة أحد. لكنه يراوح منذ أسابيع مكانه نتيجة توسيع بعض أطرافه شعاراتهم
وتشتيت أهدافهم واستهدافهم طرفاً بحالِه في أكثر من نشاط. كما أن مروحة استقطابه
للمتضرّرين من الأوضاع الراهنة لم تتوسّع كثيراً بعد انطلاقه لأسباب عدّة، بعضها
مرتبط بأدوات عمله المحدودة والشديدة المركزية حتى الآن، وبعضها الآخر بِعادة
الانتظار السيئة والانكفاء عن الشأن العام قرفاً أو يأساً أو قلّة اكتراث عند
الكثير من المواطنين.
وإذا
كان البعض يتذرّع في حياده أو استقالته من المشاركة بخشية أن تُفضي النزعات "المعادية"
للسياسيّين أو النازعة عنهم كلّ مشروعية، المحمّلة إياهم جميعاً مسؤولية الانحدار
العام الحالي، الى "معاداة" السياسة نفسها وقضاياها، فالردّ عليهم يكون
بالتأكيد على أن الحراك المدني ومبادراته هي لرغبةٍ مواطنية في المراقبة
والمحاسبة واسترجاع السياسية وجعلها حقل مشاركة، على العكس ممّا حصل ويحصل منذ
أعوام...
المهمّ
اليوم أن تستمرّ التحرّكات وتتصاعد للضغط على بقايا المؤسّستين
"التنفيذية" و"التشريعية" للقيام بالقليل من واجباتهما.
والمهم أيضاً ألا يتحوّل عنف النفايات المنفلت في الشوارع الى حالة يجري التطبيع
معها والاستسلام لها في انتظار حلول مؤقّتة، يُرجّح أنها ستتأخّر.
زياد ماجد